= بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (١). ودلت على ذلك أيضًا سورة الفلق، مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر لبيد بن الأعصم، وهو مما خرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهودي من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم الحديث. وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما حُلَّ السحر:"إنَّ اللهَ شَفَاني". والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، فدل على أن له حقيقة، فهو حق مقطوع به بإخبار الله تعالى ورسوله على وجوده ووقوعه.
وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الإِجماع، ولا عبرة، مع اتفاقهم، بحثالة المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق.
وروى سفيان عن أبي الأعور، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: عُلِّم السحر في قرية من قرى مصر يقال لها "الفَرمَا" فمن كذب به فهو كافر، مكذب لله ورسوله، منكر لما علم مشاهدة.
قال العُلماء: لا ينكر أن يظهر على الساحر خرق العادات مما ليس في مقدور البشر؛ من مرض، وتفريق، وزوال عقل، وتعويج عضو، إلى غير ذلك مما قام الدليل على كونه ليس من مقدور البشر، ومع ذلك فلا يكون السحر موجبًا لذلك، ولا علة لوقوعه، ولا سببًا مولدًا، ولا يكون السحر مستقلًا به، وإنما يخلق الله هذه الأشياء ويحدثها عند وجود السحر، كما يخلق الشبع عند الأكل، والريّ عند شرب الماء.
لطيفة: روى سفيان عن عمار الذهبي أن ساحرًا كان عند الوليد بن عقبة يمشي على الحبل، ويدخل في أست الحمار ويخرج من فيه، فاشتمل له جندب على السيف، فقتله جندب، قال: هذا هو جندب بن كعب الأزدي وقيل البجلي، وهو الذي قال في حقه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُنْدُبٌ يَضْرِبُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ": فكانوا يرونه جندبًا هذا قاتل الساحر. قال عليّ بن المديني: روى عنه حارثه بن مُضَرِّب. ا. هـ.
قال القرطبي: ذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كفرًا يقتل ولا يستتاب، ولا تقبل توبته، لأنه أمر يستسر به كالزنديق والزاني، قال: ولأن الله سمى السحر كفرًا بقوله: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}؛ قال: وهذا قول أحمد بن حنبل وأبي ثور، وإسحاق، =