للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= واستدل الجمهور بحديث: "وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ". فاعتبر الثيوية خاصة، ولو كانت تحصل قبل ذلك لكان يجب عليه الرجم قبل بلوغه وعقله، وهو خلاف الإجماع.

والسابع: أن يوجد الكمال فيهما جميعًا حال الوطء، فيطأ الرجل العاقل الحر امرأة عاقلة حرة، وهذا قول: أحمد، وأبي حنيفة، ونحوه قول عطاء، والحسن، وابن سيرين، والنخعي، وقتادة، والثوري، وإسحاق، قالوه في الرقيق.

وقال مالك: إذا كان أحدهما كاملًا صار محصنًا، إلا الصبي إذا وطئ الكبيرة فإنه لم يحصنها، وبهذا قال الأوزاعي، وهو رواية عن الشافعي، وبه قال ابن المنذر، لأنه حر بالغ عاقل وفى في نكاح صحيح، فصار محصنًا كما لو كان الآخر مثله.

واشترط مالك الإِسلام في الإِحصان، إلا أن الذمية إذا تزوجها المسلم حصنته لأنه لا يعتبر الكمال في الزوجين.

كما اشترط الإِسلام في الإِحصان كل من عطاء، والنخعي، والشعبي، ومجاهد، والثوري، قالوا: لا يكون الكافر محصنًا، ولا تحصن الذمية المسلم، لأن ابن عمر روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَشْرَكَ بِاللَهِ فَلَيْسَ بِمُحْصنٍ" أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا، قال الأستاذ محمود عبد الوهاب فائد في تعليقه على المغني: الصَّواب وقفه.

وقال ابن قدامة: ولا يشرط الإِسلام في الإِحصان، وبهذا قال الزهري والشافعي، وعلى هذا يكون الذميان محصنين، واستدل بما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: جاء اليهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأة زنيا، وذكر الحديث، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما، متفق عليه. قال: فإن قالوا: إنما رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهوديين بحكم التوراة بدليل أنه راجعها، فلما تبين له أن ذلك حكم الله عليهم أقامه فيهم، وفيها أنزل اللهُ تعالى في سورة المائدة: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} (١). قلنا: إنما حكم عليهم بما أنزل الله إليه، بدليل قوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (٢) من المائدة أيضًا، قال: ولا يسوغ للنبي - صلى الله عليه وسلم - الحكم بغير شريعته، ولو ساغ ذلك لساغ =


(١) سورة المائدة: ٤٤.
(٢) سورة المائدة: ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>