= وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين. وبه قال أبَيٌّ، وأبو داود، وابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم، وإليه ذهب عطاءٌ، وطاوس، والثوري، وابن أبي ليلى، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال مالك والأوزاعي: يغرب الرجل دون المرأة؛ لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة، ولأنها لا تخلو في التغريب إما أن تكون بمحرم أو بغيره؛ فإن غربت بغير محرم كان ذلك غير جائز، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". ولأن تغريبها بغير محرم تضييع لها وإغراء لها على الفجور؛ وإن غربت بمحرم أفضى ذلك إلى تغريب من ليس بزان، ونفي من لا ذنب له، وإن كلفت أجرة المحرم كان ذلك زيادة على عقوبتها بما لم يرد الشرع به، قالوا: والخبر الخاص في التغريب إنما هو في حق الرجل، وكذلك فعل الصحابة رضي الله عنهم، والعام يجوز تخصيصه، لأنه يلزم من عمومه مخالفة مفهومه، فإنه دل بمفهومه على أنه ليس على الزاني أكثر من العقوبة المذكورة فيه، وإيجاب التغريب على المرأة يلزم منه الزيادة على ذلك، وفوات حكمته، لأن الحد وجب زجرًا عن الزنا، وفي تغريبها بغير محرم إغراء به وتمكين منه، مع أنه قد يخصص في حق الثيب بإسقاط الجلد في قول الأكثرين، فتخصيصه هنا أولى. قال ابن قدامة: وقول مالك فيما يقع لي أصح الأقوال وأعدلها، وعموم الخبر مخصوص بخبر النهي عن سفر المرأة بغير محرم، والقياس على سائر الحدود لا يصح، لأنه يسوي الرجل والمرأة في الضرر الحاصل بها بخلاف هذا الحد، قال: ويمكن قلب هذا القياس فيقال: هو حدٌّ فلا تزاد فيه المرأة على الرجل كسائر الحدود. وخالف أبو حنيفة ومحمد بن الحسن، قالا: لا يجب التغريب لأن الله أمر بالجلد دون التغريب، فإيجاب التغريب زيادة على النص. واحتجا بأخبار أخرى عن علي وعمر لا ينهض الاحتجاج بها في الموضوع، والحجة عليهم أولًا: بأنه ورد في الحديث المتفق عليه "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ". وجلد ابنه مائة وغربه عامًا، وقال:"اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَة هذَا فَإِنِ اعْتَرف فَارْجُمْهَا".
والحجة عليهما أيضًا بأن التغريب فعله الخلفاء الراشدون، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعًا. وأما ما ذكروه من الزيادة على النص، وأنهما يعتبرانها نسخًا فقد تقدم بحث ذلك عند قول المصنف في الشهادات: وإلا فعدل وامرأتان أو أحدهما بيمين، وبينت هناك أن الزيادة على النصر لا تعتبر نسخًا عند الجمهور، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. والحمد لله. =