للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يضرب قاذفه. وقال إسحاق: إذا قذف غلامًا يطأ مثله فعليه الحد، والجارية إذا جاوزت تسعًا مثل ذلك. ا. هـ. منه.

قلت: وإلى ما ذهب إليه مالك هنا قال المصنف: كان بلغت الوطء.

تنبيهٌ: وأجمع العُلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا قذفه، لتباين مرتبتهما، ولدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ فِي الدُّنْيَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ". أخرجه البخاري ومسلم، وفي بعض طرقه عند الدَّارقُطْنِي: "مَنْ قَذَفَ عَبْدَهُ بِزِنىً ثُمَّ لَمْ يَثْبُتْ، أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ".

مسألة: قد تقدمت شهادة الزنى واللواط في الشهادات وإنها لابد فيها أن يشهد أربعة على معاينة؛ يرون ذلك كالمرود في المكحلة، وأن تكون في موطن واحد - على قول مالك - فإن اضطرب واحد منهم جلد الثلاثة جلد الفرية، كما فعله عمر رضي الله عنه في أمر من شهدوا على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ذلك أنه شهد عليه بالزنى أبو بكرة نفيع بن الحارث وأخوه نافع، وقيل عبد الله بن الحارث، وزياد أخوهما للأم، وشبل بن معبد البجلي، فلما جاؤوا لأداء الشهادة، توقف زياد فلم يؤدها، فجلد عمر الثلاثة الآخرين.

مسألة: تضمنت الآية التي نزلت في القذف ثلاثة أحكام في القاذف: جلده، ورد شهادته أبدًا، وفسقه، ثم قال الله تعالى بعد ذلك: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١). قال القرطبي: فالاستثناء غير عامل في جلده إجماعًا، إلا ما روي عن الشعبي أنه قال: الاستثناء من الأحكام الثلاثة؛ إذا تاب وظهرت توبته لم يحد وقبلت شهادته وزال عنه التفسيق لأنه صار ممن يُرضى من الشهداء، وقد قال الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} (٢). قال القرطبي: والاستثناء عامل في فسقه إجماعًا، واختلف الناس في عمله في رد الشهادة، فقال شريح القاضي، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وسفيان الثوريّ، وأبو حنيفة: لا يعمل الاستثناء في ردّ شهادته، وإنما يزول فسقه عند الله تعالى، وأما شهادة القاذف فلا تقبل ألبتة، ولو تاب وأكذب نفسه، ولا بحال من الأحوال. =


(١) سورة النور: ٥.
(٢) سورة طه: ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>