للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأدِلَّةِ (١)، وَقَلَّدَ غَيْرُهُ مُكَلَّفًا عارفًا أَو محْرابًا، فَإِن لَّمْ يَجِدْ أَوْ تحَيَّرَ مُجْتَهِدٌ تَخيَّرَ وَلَوْ صَلَّى أَربَعًا لَحسُنَ واختيرَ (٢). وَإِنْ تَبَيَّنَ خَطأ بِصَلَاةٍ قَطَعَ غَيْرُ أَعْمَى، وَمُنْحَرِفٍ

(١) قول المُصَنِّف: ولا يقلد مجتهد غيره الخ. المجتهد في القبلة هو العالم بأدلتها وإن كان جاهلًا لأحكام الشرع، فإن كل من علم أدلة شيء كان مجتهدًا فيه وان جهل غيره، وأوثق أدلتها النجوم. قال تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (١) قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (٢).

(٢) وقوله أو تحير مجتهد تخير الخ؛ لم يرد فيه حديث صالح للاحتجاج به. من ذلك ما أخرجه البيهقي بلفظ: صلينا ليلة في غيم وخفيت علينا القبلة، فلما انصرفنا نظرنا فإذ انحن قد صلينا الى غير القبلة، فذكرنا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "قَدْ أَحْسَنْتُمْ". ولم يأمرنا أن نعيد. وله طرق أخرى بنحو هذه، وفيها أنه قال: "قد أجْزَأَتْ صَلَاتُكُمْ". قال الشوكاني: ولكنه تفرد به محمد بن سالم ومحمد ابن عبيد الله العرزمي عن عطاء، وهما ضعيفان.

وقوله: ولو صلى أربعا لحسن واختير؛ هو بمحض الاجتهاد، لكنه يتفق مع رأي البغوي إذ يقول في الكلام على حديث ابن عمر المتفق عليه في تحويل القبلة، يقول: وفيه دليل لحى أن الرجل إذا اشتبه عليه القبلة واجتهد وصلى إلى جهة باجتهاده، ثم في الصلاة الثانية أدى اجتهاده إلى جهة أخرى، يصلي الصلاة الثانية إلى الجهة الأخرى، حتى ولو صلى أربع صلوات بأربع اجتهادات الى أربع جهات لا يجب إعادته.

قلت: وما يقول المُصَنِّف من استحسان الصلاة الواحدة إلى الجهات الأربع؛ فيه ما فيه من التناقض مع يسر هذا الدين ونفي المشقة فيه، وأنه لا يطلب من المرءِ في أي أمر كائن ما يكون إلَّا بلوغ الوسع. وأيضًا فإنه من المعلوم أن الصلاة هي من أشد التعبديات توغلًا في التعبد، وقد فرضت مرة واحدة في الوقت، فكيف يتصور استحسان الإتيان بظهر واحد مثلًا أربع مرات؟. فهلا كان في ذلك زيادة على ما أمر به الشارع، مما لم تظهر لنا علة الأمر به؟. نسأله التوفيق جل وعلا إلى ما فيه رضاه إنه سميع مجيب.


(١) سورة النحل: ١٦.
(٢) سورة الأنعام: ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>