للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

= نزلت بتحريم الخمر، بعد ما ذكر الأحاديث التي وردت في أسباب نزول الآيات التي نزلت في الخمر، قال: هذه الأحاديث تدل على أن شرب الخمر كان إذ ذاك مباحًا معمولًا به، معروفًا عندهم بحيث لا ينكر ولا يغير، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر عليه، وهذا ما لا خلاف فيه، يدل عليه قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (١). وهل كان يباح لهم شرب القدر الذي يسكر؛ وحديث حمزة فيه حين بقر خواصر ناقتي عليّ رضي اللهُ عنهما، وجبّ أسنمتهما، فأخبر عليّ بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء إلى حمزة فصدر عنه للنبي - صلى الله عليه وسلم - من القول الجافي المخالف لما يجب من احترام النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره وتعزيره، ما يدل على أن حمزة رضي اللهُ عنه كان قد ذهب عقله بما يسكر، ولذلك قال الراوي: فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ثمل؛ ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على حمزة ولم يعنفه، لا في حال سكره ولا بعد ذلك، بل رجع لمَّا قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي، رجع على عقبيه القهقرى وخرج عنه. قال أبو عبد الله: وهذا خلاف ما قاله الأصوليون وحكوه، فإنهم قالوا: إن السكر حرام في كل شريعة، لأن الشرائع مصالح العباد لا مفاسدهم، وأصل المصالح العقل، كما أن أصل المفاسد ذهاب العقل، فيجب المنع من كل ما يذهبه أو يشوشه.

قلت: كون الخمر كانت تستعمل في صدر الإِسلام لا يقتضي أنها كانت مباحة في شرائع من قبلنا؛ لأن أهل الفن قرروا أنها كانت مباحة في صدر الإِسلام بالبرآءة الأصلية لأن الأصل في الأشياء الإِباحة قبل نزول الشرع بتحريمها، ولذلك قال شيخ مشائخنا الشيخ عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي في مراقي السعود:

أباحها في أول الإِسلام … براءةٌ ليست من الأحكام

يعني الخمر.

وكون المسلمين في صدر الإِسلام كانوا يستعملون الخمر على البراءة الأصلية، ليس فيه أي دليل يستدل به على إباحتها في شرائع الأنبياء قبل نبينا عليه وعلى جميع الأنبياء أفضل الصلاة وأزكى السلام، وحتى على القول بأنها أبيحت شرعًا في شرع نبينا عليه الصلاة والسلام في صدر الإِسلام كما ذهب إليه بعض المحققين أخذًا من قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} (٢).


(١) سورة النساء: ٤٣.
(٢) سورة النحل: ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>