وقال الحسن والنخعي وبريدة: إنما الخطاب بقوله: {وَآتُوهُمْ} للناس أجمعين في أن يتصدقوا على المكاتبين، وأن يُعينُوهُمْ في فكاك رقابهم. وقال زيد بن أسلم: إنما الخطاب للولاة بأن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حظهم الذي تضَمَّنه قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} قال القرطبي: وعلى هذين القولين، فليس على سيِّد المكاتب أن يضع شيئًا عن مكاتبه، قال: ولو أراد حط شيء من نجوم الكتابة لقال: وضعوا عنهم كذا. ا. هـ. منه.
تنبيهٌ: قال مالك في قوله تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}. قال: سمعت بعض أهل العلم يقولون هو القوة على الاكتساب والأداء، وهذا قول الشافعي، ويروى عن الليث نحوه، ولأجل هذا كان ابن عمر يكره أن يكاتب عبده إذا لم تبر له حرفة، ويقول: أتريدونني أن آكل أوساخ الناس؟! وروي نحوه عن سلمان الفارسي. وروي عن حكيم بن حزام قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عمير بن سعد: أما بعد، فانْهَ مَنْ قِبَلَكَ من الناس أن يكاتبوا أرقاءهم على مسألة الناس. وكره ذلك الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
قال القرطبي: ورخص فيه مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وروي عن عليّ رضي الله عنه أن ابن النَّيَّاح مؤذنه قال له: أكاتب وليس لي مال؟ قال نعم! ثم حضَّ الناس على الصدقة عليه، قال: فأعطوني ما فضل عن كتابتي، فأتيت عليًّا، فقال: اجعلها في الرقاب. وكره ذلك مالك، وقال: إن الأمة التي لا حرفة لها يكره مكاتبتها لما تؤدي إليه من فسادها. قال القرطبي: والحجة في السنة لا فيما خالفها، فقد روى الأئمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على بريرة فقالت: إن أهلي كاتبوني على تسع أواق في تسع سنين، كل سنة أوقية، فأعينيني .. الحديث. وهذا دليل أن السيد له أن يكاتب عبده وهو لا شيء عنده، قال: ألا ترى أن بريرة جاءت عائشة تخبرها بأنها كاتبت أهلها وسألتها أن تعينها، وذلك كان في أول كتابتها قبل أن تؤدي منها شيئًا، كذلك ذكره ابن شهاب عن عروة أن عائشة أخبرته أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا. أخرجه البخاري وأبو داود، وفي هذا جواز كتابة الأمة وهي غير ذات صنعة ولا حرفة ولا مال، ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل لها كسب أو عمل واصب أو مال؟. =