= وفي المدونة: وقال مالك: الجلوس فيما بين السجدتين مثل الجلوس في التشهد؛ يفضي بإليتيه إلى الأرض، وينصب رجله اليمنى، ويثني رجله اليسرى، وإذا نصب رجله اليمنى جعل باطن الإبهام على الأرض لا ظاهر الإبهام. ا. هـ.
وقال في المدونة أيضًا بعد هذا بقليل ما نصه: قال ابن وهب: وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر بذلك من حديث ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمروبن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفضي بوركه اليسرى إلى الأرض، في جلوسه الأخير في الصلاة، ويخرج قدميه من ناحية واحدة. ا. هـ
قلت: وسياق حديث ابن وهب هذا، يستطاع بموجبه القول بأن التورك محلها لجلسة الأخيرة عندنا، كما هو الحال عند الشافعي، وكذلك نسب الشوكاني لإمامنا مالك قال: وقال مالك والشافعي وأصحابه: إنه يتورك المصلي في التشهد الأخير. ا. هـ. وهو الذي يؤيده الدليل من السنة، كحديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول:"فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، وَنَصَبَ اليُمْنَى، فإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ". وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، وهو الذي ينبغي العمل به استنانًا بسنته -صلى الله عليه وسلم-، ولا يخفى على أحد أنه لا يعارض بحديث عبد الله بن عبد الله بن عمر؛ أن أباه كان يفضي بوركه إلى الأرض، لأن حديث أبي حميد مرفوع وحديث عبد الله بن عبد الله بن عمر موقوف على ابن عمر، وحديث أبي حميد صريح في أن هذا الفعل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله في صلاته، وحديث الموطإ يتطرقه الاحتمال بأن ابن عمر كان إنما يفعله لأنه كان يشتكي، وقد ثبت عنه قوله: قدماي لا تحملاني. وعجبى لا ينقضي من استدلال أبي الوليد الباجي بحديث الموطإ هذا، وقوله: يحتمل أنه كان يفعله قبل شكواه من رجليه، وقد علم أن القاعدة المقررة في مباحث الألفاظ؛ هي أن وسائل الأحوال إذا تطرقها الاحتمال، كساها ثوب الإجمال، فسقط بها الاستدلال. والحاصل أن المنصف المستن بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثابتة بالدليل، لا يسعه إلا الافتراش في غير الجلسة الأخيرة من سائر الجلوس، وأن يتورك في الجلسة الأخيرة، لما أخرجه البخاري في صحيحه. والله الموفق. =