للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غُسْلٍ بنَجَسٍ لَمْ يُغيِّرْ (١) أوْ ولَغَ فِيهِ كَلْبٌ (٢)، وَراكِدٌ يُغَتسَلُ فيه (٣) وَسُؤْرُ شَارِب

(١) حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه "إنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْء إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنهِ" يدل لهذا الفرع، غير أن الباجي نفل عن ابن القاسم أنه يطلق على هذا الماء القليل الذي خالطته نجاسة قليلة لم تغيره، اسم النجاسة في روايته وقوله، ويرى أن على من توضأ به الإِعادة في الوقت دون غيره.

والدليل يؤَيد من ذهب إلى نجاسة الماء اقليل الذي أصابته نجاسة لم تغيره، وأنه يجب اجتنابه لتحقق وقوع الرجس به، والله تعالى يقول: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (١). وحديث القلتين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ" وفي لفظ "لَمْ يَنْجُسْ" أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الحاكم وابن خزيمة وابن حبان، نص في أن الماء القليل الذي لم يبلغ القلتين ينجس بما يلاقيه من النجس، وحديث أبي هريرة المتفق عليه: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أحَدُكمْ مِنْ نَوْمهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَة فِي الْإنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ". نص هو الآخر في الموضوع، لأنه نهي للمستيقظ عن غمس يده في آنية الوضوء لئلا ينجس الوضوء -بفتح الواو. كل ذلك في نظري أقل أحواله أن يكون مخصصًا لحديث "الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَىْءٌ" علاوة على أن جانب المنع مقدم على جانب الإِباحة عند التعارض، والله الموفق.

(٢) في صحيح مسلم: "طَهُورٌ إنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ"، وفي رواية أخرى: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أحَدِكُمْ فَلْيَهْرِقْة، وَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، لَماذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِ حَتَّى يُصْلِحَهُ". أخرجه ابن خزيمة وقال: وفيه دليل على نقض قول من زعم أن الماء طاهر.

والذي يظهر أن من زعم أن ماء ولغ فيه كلب أنه طهور بعد ما يبلغه هذا الحديث الصحيح، أقل أحواله أن يجر عليه الذيل قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٢). وما يتوارد معها من القرآن على معناها، وسوف يأتي مزيد كلام على طهارة الكلب وغيرها في محل ذلك. والله الموفق.

(٣) هذه الكراهة أيضًا لمراعاة خلاف مذهب خارج المذهب المالكي، وحملًا للنهي الوارد في=


(١) سورة المدثر: ٥.
(٢) سورة النور: ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>