وفي سنن ابن ماجه من حديث محمد بن إسحاق، عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مؤذن واحد إذا خرج أذن وإذا نزل أقام، وأبو بكر وعمر كذلك، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء، فإذا خرج أذن وإذا نزل أقام. خرجه البخاري بطرق بمعناه. وقد كان عمر رضي الله عنه أمر أن يؤذن في السوق قبل المسجد؛ ليقوم الناس من بيوعهم فإذا اجتمعوا أذن في المسجد، فجعله عثمان رضي الله عنه أذانين في المسجد. قاله ابن العربي. وفي الحديث الصحيح: أن الأذان كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدًا، فلما كان زمن عثمان زاد الأذان الثالث على الزوراء، وسماه في الحديث ثالثًا لأنه أضافه إلى الإقامة، ويتوهم الناس أنه أذان أصلي، فجعلوا المؤذنين ثلاثة فكان وهمًا، ثم جمعوهم في وقت واحد، فكان وهما على وهم، قلت: ولقد شاع العمل بهذه البدعة في جل مساجد المغرب العربي وغرب افريقيا، حتى أصبح من المستحيل إقناع أهلها بعدم شرعية ذلك، وما شعر هؤلاء أن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها. فلله در من رجع إلى الحق وتمسك به واستن بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين. ا. هـ. ملخصًا من القرطبي.
المبحث الثاني هو فيما ذكره المصنف من فسخ هذه العقود وقت النداء؛ والمذهب عندنا أن وقت النهي هو وقت النداء، وأنه تفسخ عنده جميع العقود الواقعة فيه، قالوا: إلا العتق والنكاح والطلاق والهبة والصدقة؛ لما يترتب على الفسخ لها من ضرر، ولأن عادة الناس لم تجر باشتغال الناس بها كاشتغالها بالبيع. قال القاضي أبو بكر بن العربي: والصحيح فسخ الجميع؛ لأن البيع إنما منع منه للاشتغال به، فكل أمر يشغل عن الجمعة من جميع العقود هو حرام شرعًا مفسوخ ردعًا، والدليل على ذلك من جهة النقل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ عَمَل لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ". أي مردود.
ومن جهة الاستدلال هو علة النهي عن البيع وقت النداء؛ هي أن البيع يفوت الاشتغال به صلاة الجمعة، وهو نوع من أنواع مسلك الإيماء وعبر عنه القرافي في تنقيح الفصول بقوله: أو ورود النهي عن فعل يمنع ما تقدم وجوبه. ثم في شرح هذه الجملة ما نصه: ومثال النهي عن الفعل الذي يمنع ما تقدم وجوله قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}. فهذا وجوب للجمعة، فقوله تعالى بعد ذلك:{وَذَرُوا الْبَيْعَ} نهي عن البيع؛ لأنه يمنع من فعل =