= يصلي صلاة الخوف عند عامة العلماء، لكنه روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان الهذلي ليقتله، قال: فرأيته وقد حضرت صلاة العصر، فقلت إنى أخشى أن يكون بيني وبينه ما إن أؤخر الصلاة. فانطلقت أمشي وأنا أصلي؛ أوميء إيماء نحوه. فهو يدل على أن طالب العدو يصلي صلاة الخوف، والحديث في شرح السنة ومسند الإمام أحمد وأبي داود. ا. هـ.
وقوله وإن أمنوا أتمت صلاة أمن؛ يريد به أنه إن حصل الأمن أثناء الصلاة. وهو بمحض الاجتهاد. والله تعالى أعلم.
ومن صلاة الخوف ما إذا كان العدو ماكثين في معسكرهم، في غير ناحية القبلة، فيجعل الإمام القوم فرقتين؛ فتقف طائفة وجاه العدو تحرسهم، ويشرع الإمام مع طائفة في الصلاة - كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بذات الرقاع - ثم اختلفت الرواية في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فروى سهل بن أبي حثمة أنه ثبت جالسًا حتى أتموا صلاتهم وسلم بهم، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
ويلاحظ من قول المؤلف: صلى بالثانية ما بقي وسلم فاتموا، أنه مشى على ما جاء في حديث القاسم، وصرح في المدونة أن مالكًا رجع إلى العمل به بعدما كان العمل عنده على حديث يزيد بن رومان، تأمل.
وذهب أصحاب الرأي إلى الأخذ برواية عبد الله بن عمر؛ أن الإمام بعد ما قام إلى الركعة الثانية، تذهب الطائفة الأولى في خلال الصلاة إلى وجاه العدو، وتأتي الطائفة الثانية، فيصلي بهم الركعة الثانية ويسلم، وهم لا يسلمون، بل يذهبون إلى وجاه العدو، وتعود الطائفة الأولى فتتم صلاتها، ثم تعود الثانية فتتم صلاتها. والحقيقة أن الرواتين كلاهما صحيحة، غير أن رواية القاسم بن محمد التي يرويها بسنده إلى سهل بن أبي حثمة أشد موافقة لظاهر القرآن وأحوط للصلاة، وأبلغ في حراسة العدو؛ وذلك أن الله تعالى يقول:{فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} أي إذا صلوا، ثم قال:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا}. فهذا يدل على أن الطائفة الأولى قد صلوا، وقال:{فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} ومقتضاه أن يصلوا تمام الصلاة لا بعضها. إن ظاهر القرآن - كما علمت - يدل على أن كل طائفة تفارق الإمام بعد تمام الصلاة، وهو الاحتياط لأمر الصلاة من حيث تقليل العمل فيها، والذهاب والمجيء. ا. هـ. انظر البغوي.