للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال ابن قدامة: وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله. أما الدعاء والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات (عنه)، فلا أعلم فيه خلافًا، إذا كانت الواجبات مما تدخله النيابة، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (١) وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (٢) ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي سلمة حين مات. وسأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت، فينفعها إن تصدقت عنها؟. قال: "نَعَمْ". رواه أبو داود، وروي ذلك عن سعد بن عبادة. وجاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟. قال: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟. قالت: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى. وقال للذي سأله: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟. قال: نَعَمْ. قال: فهذه أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب، لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، مع ما ذكرنا من الحديث في ثواب من قرأ يس، وتخفيف الله تعالى عن أهل المقابر بقراءتها.

قال: وخالف الشافعي - فيما عدا الواجب والصدقة والدعاء الاستعفار - قال: لا يفعل عن الميت لقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (٣). وقوله - صلى الله عليه وسلم - "إذَا مَاتَ ابْن آدَمَ انْقَطعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أو عِلمٍ يُنْتَفَعُ به من بَعْده أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". ولأن نفعه لا يتعدى فاعله فلا يتعدى ثوابه. وقال بعض العلماء: إذا قرئ القرآن عند الميت، أو أهدى إليه ثوابه كان الثواب لقارئه، ويكون الميت كأنه حاضرها وترجى له الرحمة.

قال: ولنا ما ذكرناه، وأنه إجماع المسلمين، فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون ويقرؤون القرآن ويهدون ثوابه إلى موتاهم من غير نكير، ولأن الحديث صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أهلِهِ عَلَيْهِ". والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه ويحجب عنه المثوبة. ا. هـ. منه بتصرف. وبالله التوفيق. =


(١) سورة الحشر: ١٠.
(٢) سورة محمد:١٩.
(٣) سورة النجم: ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>