للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رحم الله عمر، لا والله، ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ. ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ اللهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". فقالت عائشة: حسبكم القرآن. {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (١) قال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك وأبكي. قال ابن أبي مليكة: فوالله ما قال ابن عمر من شيء. ا. هـ. وهذا اللفظ للبغوي، والحديث متفق عليه.

قال البغوي: قال الشافعي: ما روت عائشة أشبه بدلالة الكتاب، ثم بالسنة، وما زيد في عذاب الكافر فباستجابه لا بذنب غيره. وفسر المزني هذا الكلام قال: بلغني أنهم كانوا يوصون بالبكاء عليهم وبالنياحة، وهي معصية. ومن أمر بها فعملت بعده كانت له ذنبًا، فيجوز أن يزاد بذنبه عذابًا - كما قال الشافعي - لا بذنب غيره، ويمكن تصحيح رواية ابن عمر على هذا التأويل، وقد ذكره بعض أهل العلم؛ ذلك أنهم كانوا يوصون أهليهم بالبكاء عليهم والنوح، قال قائلهم:

إذَا مِتُّ فانْعَيْني بِمَا أنا أهْلُه … وَشُقِّي عَلَيَّ الجَيْبَ يا ابْنَةَ مَعَبدِ

وكذا إذا كان يعلم أن البكاء من سنتهم فلم ينههم عنه، فيعاقب بعد موته ببكائهم عليه، إذ كان من واجبه نهيهم عن ذلك فلم يفعل، وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (٢) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

فأما إذا لم يكن البكاء عن أمره، ولا هو من سنته، فهو على ما قالت عائشة. قال ابن المبارك: أرجوا إن كان ينهاهم في حياته، أن لا يكون عليه من ذلك شيء. ا. هـ. من شرح السنة للبغوي.

(٤) وقوله ولا يترك المسلم لوليه الكافر، صوابه: لقريبه الكافر؛ لأنه لا ولاية بين المسلم والكافر مهما تكن درجة القرابة. قال في المدونة: وقال مالك ولا يغسل المسلم والده إذا مات الوالد كافرًا، ولا يتبعه ولا يدخله قبره إلا أن يخشى أن يضيع فيواريه. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال في كافر مات بين المسلمين، ليس عندهم كافر يدفنه، قال يلفونه في شيء ويوارونه. قال الليث: قال ربيعة: عليهم أن يواروه ولا يستقبل به القبلة ولا قبلتهم. وقال يحيى بن سعيد: يوارونه. ا. هـ. منه.

وهذا مراد المؤلف بقوله: ولا يغسل مسلم أبًا كافرًا، ولا يدخله قبره إلا أن يضيع فيواريه. والله الموفق. =


(١) سورة الإسراء: ١٥.
(٢) سورة التحريم: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>