للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وفي الحطاب هنا ما نصه:

تنبيه: قال ابن عرفة: الباجي: أفتى متأخرو أصحابنا بالإِطعام في الشدة والعتق في الرخاء. وأبو إبراهيم بصوم ذي سعة. وبادر يحيى بن يحيى الأمير عبد الرحمن - حين سأل الفقهاء عن وطء جارية له في رمضان - بكفارته بصومه، فسكت حاضروه ثم سألوه: لم لم تخيره في أحد الثلاثة؟. قال: لو خيرته وطئ كل يوم وأعتق. فلم ينكروه. ا. هـ. منه.

قلت: ومن القواعد أن الأحكام المعللة بالمظان لا تتخلف بتخلفها، وعليه فقد تقدم أن حجة من يرى الترتيب أرجح بالدليل، أي أن الواجب العتق، فإن عجز عنه وجب الصوم، فإن لم يستطع وجب الإِطعام. لذلك، فإني أرى فتوى هؤلاء الأجلاء في غير موضعها - وقد يخفى على الفطن الصواب - فإن المشرع أعلم وأحكم؛ وقد بين أن كفارة انتهاك رمضان بالوطء هي عتق رقبة أولًا، إلا إذا عجز عنها، فلمَ يرى هؤلاء القدرة على العتق مسوغًا للإنتقال عنه إلى الصوم، وهو لا يجزيء على التحقيق، إلا عمن عجز عن العتق؟!. تأمل. علمًا بأنه إن أعتق عن كل يوم رقبة مؤمنة، كان في ذلك من المصلحة والأجر العظيم ما لا يعلمه إلا الله. والدين يسر، والله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (١). ويقول سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (٢). ورحم الله يحيى بن يحيى، فلو كان أفتاه بالعتق. والله نرجو أن يجزيه كامل المثوبة فيما أخلص فيه النصيحة للدين، فإن له أجر اجتهاده.

وقوله: أو صيام شهرين أو عتق رقبة كالظهار، التشبيه فيه راجع إلى تتابع الصوم ونيته، وإيمان الرقبة وسلامتها من العيوب.

وقال الفقهاء: هذا التخيير إنما هو في حق الحر، أما العبد فإنما يكفر بالصوم، فإن عجز عنه بقيت دينًا عليه حتى يأذن له سيده في الإطعام. والله الموفق وهو أعلم.


(١) سورة الحج: ٧٨.
(٢) سورة البقرة: ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>