= والعجب منه - رحمه الله - كيف يراه من التأويل البعيد؟! وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالمُحْتَجِمُ". رواه أصحاب السنن. وهو في البخاري تعليقًا، وأخرج البغوي بسنده عن شداد بن أوس قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - زمان الفتح، فرأى رجلًا يحتجم. لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال وهو آخذ بيدي:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ". وقال البغوي: وقد روى هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رافع بن خديج وثوبان. وروي عن أحمد بن حنبل أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج. وقال علي بن عبد الله: أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس.
ولا يفهم من هذا أني أريد نصر مذهب من لم يرخص للصائم في الحجامة، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس، من طريق عكرمة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم. وأخرج البغوي بسنده عن ابن عباس قال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم صائم، ولذلك فقد رخص في الحجامة للصائم سعد، وزيد بن أرقم، وأم سلمة. وفي الموطإ عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان. وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وسفيان الثوري وأصحاب الرأي.
إنما القصد مني هنا استغراب عدّ من أفطر ظانًا فساد صومه لأجل الحجامة من التأويل البعيد. والله تعالى نرجو التوفيق والسداد والرشاد.
(٣) وقوله: أو غيبة، يعني أن من اغتاب شخصًا في نهار رمضان، فظن إباحة الفطر لأكله لحم أخيه فأفطر عليه الكفارة.
قال الحطاب: لو جرى في هذا من الخلاف ما جرى في الحجامة ما بعُدَ، لكن لم أر فيها إلا قول ابن حبيب بوجوب الكفارة. ا. هـ. الدسوقي.
قلت: وقد يستند المتأول في ذلك إلى ما أخرجه البخاري والبغوي وأبو داود وغيرهم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". والله أعلم.