للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ إنْ خَشِيَ ضَيَاعًا (١). وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ إلَّا أنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ أوْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاةٍ لِكَمَيْدٍ (٢). وَالْمَرْأةُ كَالرَّجُل إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ وَرُكُوبِ بَحْرٍ (٣)، إلَّا أن تَخْتَصَّ

= البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون. فإذا قدموا المدينة سألوا الناس، فانزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (١). قال ابن حجر في كلامه على هذا الحديث: قال المهلب: في هذا الحديث من الفقه أن ترك السؤال من التقوى. انتهى من أضواء البيان بتصرف.

(١) وقوله: واعتبر ما يرد به إن خشي ضياعًا، قال الحطاب: يعني أنه يعتبر في الاستطاعة ما يوصل المكلف إلى مكة، وما يرد به أن يخشى على نفسه الضياع في مكة. ومراده ما يرد به إلى أقرب المواضع مما يمكنه التمعيش فيه. كذا قال اللخمي وساقه على أنه المذهب.

قلت: ولعله، إن حصل على إذن المقام بمكة في هذا الزمن، أن لا يعتبر ما يرد به، أما إن كان دخوله الحرم، بإذن الحج فقط، فإنه يتعين عليه ما يرد به إلى بلده؛ لما يترتب على بقائه بالحرم بدون إذن المقام من الضرر، ولقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (٢). الآية. ولا يحل لامرئ مسلم أن يذل نفسه. وبالله تعالى التوفيق.

(٢) وقوله: والبحر كالبر إلا أن يغلب عطبه أو يضيع ركن صلاة لكميد، يعني أن البحر طريق إلى الحج كالبر، فيجب سلوكه إذا تعين ولم يكن طريق سواه، كمن يكون في جزيرة، أو إن تعذر عليه سلوك البر لخوف أو نحوه. وإن لم يتعين سلوكه فيخير في سلوكه وفي سلوك البر. والدليل على جواز ركوب البحر قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (٣). الآية. ونحوها. وبعيد جدًّا أن يمن الله على عباده بما حظره عليهم ولم يبحه لهم.

ومن أدلة جواز ركوب البحر حديث أنس رضي الله عنه المتفق عليه، أنه - صلى الله عليه وسلم - نام عند أم حرام، ثم استيقظ وهو يضحك فقالت: ما يضحكك يا رسول الله؟. فقال: "أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأسِرَّةِ". الحديث. وما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: "لَا =


(١) سورة البقرة: ١٩٧.
(٢) سورة البقرة: ١٩٥.
(٣) سورة يونس: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>