= قلت: وأين هذا التفضيل للحج على الجهاد، من منطوق الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة قال: سُئِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الأعمال أفضل؟. قال:"إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولهِ". قيل: ثُم مَاذَا؟. قال:"الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ". قيل: ثُمَّ مَاذا؟. قال:"ثُمَّ حَجُّ مَبْرُورُ". أخرجه البخاري ومسلم. وقد نص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الجهاد في سبيل الله أفضل من الحج المبرور. فهو مستند قوي لما روي عن ابن وهب أن تطرع الجهاد أفضل من تطوع الحج.
قال الحطاب: قال ابن عرفة في أوائل الجهاد: ابن سحنون: وروى ابن وهب: تطوع الجهاد أفضل من تطوع الحج. ا. هـ. منه. وهو في نظري القاصر أجرى على الدليل من غيره. والله الموفق.
(٣) وقوله: وركوب، ومقتَّب، يعني أن الركوب في الحج أفضل من المشي فيه. والمقتب - بالتشديد - اسم مفعول من باب التفعل، من أقتب بالبعير. قال الحطاب: وقياسه أن يقال: مقتب - بالتخفيف كمكرم - اسم مفعول من باب الإفعال. قال: ولعل المصنف وقف عليه، وعلى كل حال فهو على حذف مضاف، أي وفضل ركوب على مقتب - وهو الذي جعل له قتب - بفتح القاف المثناة الفوقية - هو رحل صغير على قدر السنام. أي والركوب على مقتب أفضل من الركوب على المحمل - كمجلس - وذلك لموافقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه - بأبي هو وأمي - حج على رحله، وكان أصحابه رضي الله عنهم يحجون على رحالهم. وأول من ابتدع المحمل الحجاج بن يوسف فركب الناس سنته.
قال الحطاب: وكان العلماء في وقته يتركونها ويكرهون الركوب فيها، إلى أن قال: وعن إسحاق بن سعيد عن أبيه قال: صدرت مع ابن عمر رضي الله عنهما يوم الصدر، فمرت بنا رفقة يمانية رحالهم الأدم، فقال عبد الله بن عمر: من أراد أن ينظر إلى أشبه رفقة وردت الحج العام برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إذا قدموا في حجة الوداع، فلينظر إلى هذه الرفقة. رواه البيهقي. قال: وفي منسك ابن جماعة: ويستحب الحج على الرحل - والمقتب دون المحمل لمن قوي على ذلك ولم يشق عليه - اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أشبه بالتواضع والمسكنة، ولا يليق بالحاج غير ذلك. وعن أنس رضي الله عنه قال: حج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على رحل رث، وقطيفة تساوي أربعة دراهم =