للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= لفظ، فإن ذلك الإِخراج بالنية هو المعروف عند الفقهاء بالمحاشاة، وهو عندهم من العام الذي أريد به الخصوص؛ لأن عمومه لم يرد، لا تناولًا ولا حكمًا، بخلاف العام الذي يخصصه الاستثناء؛ فإنه عام مخصوص؛ لأن عمومه مراد تناولًا لا حكمًا، لقرينة التخصيص. لكن تمثيل المصنف هنا للمحاشاة بقوله: كالزوجة في الحلف بالحلال على حرام، فيه مأخذ عليه - عليه رحمة الله - وهو نفس المأخذ عليه في قوله فيما بعد: وتحريم الحلال في غير الزوجة والأمة لغو، ذلك أنه إخراج بدون دليل، وليس لأحد أن يفعله، وسوف أعطي هذه المسألة عناية أبحثها بإذن الله تعالى على ضوء الكتاب والسنة، لعل الله يوفقني لما فيه القول الفصل في ذلك. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

اعلم أولًا أنه لا يوجد نص صريح من كتاب الله ولا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه المسألة يتعين الرجوع إليه، وذلك هو ما أدَّى إلى هذا القيل والقال فيه، وسبب الاختلاف فيه بين علماء الأمة. غير أننا - ولله الحمد - لم نترك هملًا عند الاختلاف، فقد وضع الله تعالى لنا قانونًا نرجع إليه وجوبًا في اختلافاتنا، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (١). وإذا امتثلنا ذلك - ولا بد لنا - وجدنا أنه لا نص يصرح في الموضوع من الكتاب ولا من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا أننا نجد عمومات قرآنية تشمل الزوجة والأمة قطعًا؛ فقد قال تعالى في سورة المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (٢). والزوجة من الطيبات ومما أحل الله، وقد نهى الله تعالى أن يوصف ما أحل الله بالحرام، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} (٣). الآية. وقال تبارك وتعالى في سورة يونس: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} (٤). إن منطوق هذه الآيات =


(١) سورة النساء: ٥٩.
(٢) سورة المائدة: ٨٧.
(٣) سورة النحل: ١١٦.
(٤) سورة يونس: ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>