للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= القرآنية قاطع على أن ما لم يحرمه الله ليس لأحد أن يحرمه، وأنه لا يصير حرامًا بتحريم أحد، ولم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لما أحله الله عليه: هو عليَّ حرام. وإنما امتنع عن مارية رضي الله عنها ليمين تقدمت لإِرضاء حفصة، فقال لها: "وَاللهِ لَا أَقْرَبُهَا بَعْدَ الْيَوْمِ". فعاتبه الله تعالى على ذلك بقول عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١). الآية. فقد أخرج الدارقطني في سبب نزولها، عن ابن عباس، عن عمر، قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأم ولده مارية في بيت حفصة، فوجدته حفصة معها، وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها، فقالت له: تدخلها بيتي؟!. ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك. فقال لها: "لَا تَذْكُرِي هذَا لِعَائِشَةَ فَهِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ قَرُبْتُها". قالت حفصة: وكيف تحرم عليك وهي جاريتك؟!. فحلف لها أن لا يقربها، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَذْكُرِيهِ لِأحَدٍ". فذكرته لعائشة فآلى لا يدخل على نسائه شهرًا، فاعتزلهن تسعًا وعشرين ليلة، فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (٢). الآية. ا. هـ. بنقل القرطبي.

أي: لم تمتنع منه بسبب اليمين؟. يعني أقدمْ على ما أحل الله لك وكفر عن يمينك. والعجب من مسارعة المفتين اليوم إلى التحريم والتحليل على خلاف سنة السلف الصالح. قال القرطبي: أسند الدارمي أبو محمد في مسنده، أخبرنا هارون عن حفص عن الأعمش. قال: ما سمعت إبراهيم قط يقول: حلال ولا حرام، ولكن كان يقول: كانوا يكرهون كذا، وكانوا يستحبون كذا. وقال ابن وهب: قال مالك: لم يكن فتيا الناس أن يقولوا: هذا حلال، وهذا حرام. ولكن كانوا يقولون: إياكم وكذا وكذا، ولم أكن لأصنع هذا. ومعنى هذا أن التحريم والتحليل إنما هو لله تعالى، وليس لأحد أن يقول أو يصرح بهذا في عين من الأعيان، إلا أن يكون الباري تعالى يخبر عن ذلك. قال: وكذلك كان يفعل مالك اقتداء بمن تقدم من أهل الفتوى. قال: فإن قيل: قد قال فيمن قال لزوجته: أنت علي حرام. أنها حرام، ويكون ثلاثًا. فالجواب: إن مالكًا لما سمع عليَّ بن أبي طالب يقول: إنها حرام. اقتدى به. ا. هـ. منه. قلت: وستقف بإذن الله فيما بعد


(١) سورة التحريم: ١.
(٢) سورة التحريم: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>