للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقوله: أو عتق رقبة كالظهار، لقوله تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (١). ولا يجوز عند أصحابنا إلا عتق رقبة مؤمنة؛ لأنها قربة واجبة، فلا يكون الكافر محلًا لها، قياسًا على الزكاة. وأيضًا لحمل المطلق هنا على المقيد في كفارة القتل خطأ؛ قال في مراقي السعود:

وحمل مطلق على ذاك وجب … إن فيهما اتحد حكم والسبب

ولا يجوز عتق إلا رقبة كاملة ليس فيها شرك لغيره، ولا عتق بعض، ولا عتق إلى أجل، ولا كتابة ولا تدبير، ولا أم ولد، ولا من يعتق عليه، ولا رقبة هرمة؛ سليمة غير معيبة، ودليلنا على عدم إجزاء المشتركة. قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وبعض الرقبة ليس رقبة، وإنما قلنا: لا يكون فيها عقد عتق؛ لأن التحرير يقتضي ابتداء عتق دون تنجيز عتق مقدم، وإنما اشترطنا أن تكون سليمة لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}. فإن الإطلاق يقتضي تحرير رقبة كاملة، والعمياء ناقصة، وأيضًا فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعْتِقُ امْرَءًا مُسْلِمًا إِلَّا كَانَ فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ؛ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ بِعُضْوٍ مِنْها، حَتَّى الفرج بالفرج". وهذا نص في الموضوع.

وقوله ثم صيام ثلاثة أيام، بدليل قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} (٢). أي فمن لم يجد في ملكه أحد هذه الثلاثة؛ من الإطعام، أو الكسوة، أو عتق الرقبة، بالإِجماع على أنه لا يكفر بالصوم، إلا في حالة عدم إحدى هذه الخصال الثلاث، وعدمها يعتبر بوجهين؛ إمَّا بمغيب ماله عنه، وإما بعدم مال عنده أصلًا، وقد قالوا في: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} قيل: من لم يكن له إلا قوت يومه وليلته وليس عنده فضل يطعمه. وبه قال الشافعي، واختاره الطبري، وهو مذهب مالك وأصحابه، وروي عن ابن القاسم أن من تفضل عنه نفقة يومه فإنه لا يصوم، وقال أحمد وإسحاق: إذا كان عنده قوت يومه وليلته أطعم ما فضل عنه.

تنبيه: لا يجب تتابع هذا الصوم عند أصحابنا، وأحد قولي الشافعي؛ لأن التتابع صفة لا تجب إلا بنص أو قياس على منصوص، وقد عدما. وقال أبو حنيفة - وهو الرواية الأخرى عن الشافعي، واختاره المزني - يجب تتابعه قياسًا على كفارة الظهار، واعتبارًا بقراءة ابن مسعود: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ. ا. هـ. =


(١) سورة المائدة: ٨٩.
(٢) سورة المائدة: ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>