للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فقال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} (١). وقال: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (٢). وقال: {وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (٣). فالجواب، إن فيه إضمارًا هو: ورب السماء، ورب الشمس، كما جاء مصرحًا به في موضع آخر، قال عز وجل: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} (٤). وقال: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} (٥).

قلت: بل القول الفصل في ذلك أن لله أن يقسم بما شاء كيف يشاء، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله تعالى؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أو لِيَصْمُتْ".

قال: فإن قيل: أليس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث الأعرابي الذي سأله عن الإِسلام، قال بعد ما بيّن له: لا أزيد على هذا ولا أنقص. فقال عليه السلام: "أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ"؟! فالجواب: إن تلك كلمة جرت على لسانه، على عادة العرب في الكلام الجاري على ألسنتها، لا على قصد القسم، بل كانت تستعملها كثيرًا في خطابها، تؤكد بها الكلام لا على وجه التعظيم، والنهي إنما وقع إذا كان ذلك واقعًا على وجه التوقير والتعظيم له، فالحالف بالله يقصد بذكر الله سبحانه وتعالى في يمينه التعظيم، ومعلوم أنه لا يحلف بأبي الغير لقصد التعظيم والتوقير. وقيل: فيه إضمار معناه، ورب أبيه، كما سبق في تأويل الآية، وإنما نهاهم عنه لأنهم لم يكونوا يضمرون ذلك في أيمانهم، وإنما كانوا يحلفون تعظيمًا لأبائهم. والله أعلم.

قال: وروي عن سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع رجلًا يقول: لا، والكعبة. فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أو أشْرَكَ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وروي عن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ بِالْأمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا". أخرجه أبو داود، وأحمد وإسناده صحيح كما قال شعيب. ومن حديث متفق عليه عن ثابت بن الضحاك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَمَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ". قال البغوي: ذهب جماعة من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم أن من قال: إن


(١) سورة البروج: ١.
(٢) سورة الشمس: ١.
(٣) سورة الفجر: ١.
(٤) سورة المعارج: ٤٠.
(٥) سورة الذاريات: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>