للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَنُدِبَ أنْ لَا تَزِيدَ عَلَى أرْبَعَةِ أشْهُرٍ، وإنِ اسْتَشْعَرَ خِيانَتَهُمْ نَبَذَهُ وَأنْذَرَهُمْ. وَوَجَب الْوَفَاءُ وإنْ بِرَدِّ رَهَائِنَ وَلَوْ أسْلَمُوا؛ كَمَنْ أسْلَمَ وَإنْ رَسُولًا إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَفُدِيَ بِالْفَيْءِ، ثُمَّ بِمَالِ المُسْلِمينَ، ثُمَّ بِمَالِهِ وَرَجَعَ بِمِثْلِ المِثْلِيِّ وقيمَة غَيْرِهِ عَلَى المليء والمُعْدِمِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ صَدَقَةً، وَلَمْ يُمْكِنِ الخَلَاصُ بِدُونِهِ إلَّا مَحْرَمًا أوْ زَوْجًا، إنْ عَرَفَهُ أوْ عَتَقَ عَلَيْهِ، إلَّا أنْ يأمُرهُ بِهِ وَيَلْتَزِمَهُ.

نبذ العهد - إن استشعر منهم الخيانة - هو قوله تعالى في الأنفال: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} (١).

وقوله: ووجب الوفاء وإن بردّ رهائن ولو أسلموا؛ كمن أسلم وإن رسولًا إن كان ذكرًا، يريد به - والله أعلم - أن الإِمام يجب عليه الوفاء لهم بما عاهدهم عليه، وإن كان ذلك العهد برد كفار رهائن عندنا، باقين على كفرهم، بل ولو أسلموا. وهذا قول مالك وابن القاسم، خلافًا لابن حبيب، وكذا يرد إليهم من أسلم عندنا منهم ولم يكن رهنًا، ولو كان ذلك الذي أسلم رسولًا لهم أرسلوه إلينا. ومحل وجوب الوفاء برد هؤلاء، هو كونهم ذكورًا، فإن كانوا إناثًا؛ فلا ترد الإِناث المسلمات إليهم ولو شرطوا ردهن لقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (٢). الآية. وأما دليل رد رسولهم إليهم ولو أسلم، هو ما روي عن أبي رافع قال: أقبلت بكتاب من قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رأيته ألقي في قلبي حب الإِسلام، فقلت: يا رسول الله، والله لا أرجع إليهم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ وَلكِنْ ارْجِعْ، فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِكَ الَّذِي فِي نَفْسِكَ الْآنَ فَارْجِعْ". أخرجه أبو داود. قال شعيب: وإسناده صحيح.

تنبيه: ومن دخل إلينا رسولًا منهم فله الأمان حتى يؤدي الرسالة، ويرجع إلى مأمنه، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لابن النواحة: "لَوَلَا أَنَّكَ رَسُولٌ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ". أخرجه أحمد وأبو داود. قال شعيب: وإسناده حسن. والله الموفق.

تتمَّةٌ: في بعض آداب القادم من السفر، فإن من ذلك أن المسافر إذا طال سفره، كان من آدابه أن لا يأتي أهله ليلًا؛ وذلك للحديث المتفق عليه، من حديث جابر بن عبد الله رضى الله =


(١) سورة الأنفال: ٥٨.
(٢) سورة الممتحنة: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>