للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رأيه. ا. هـ. منه.

قلت: ومحل عدم لزوم طلاق المكره إن لم يكن الإِكراه بحق، أما إن كان الإِكراه بحق؛ نحو، إكراه الحاكم المولى على الطلاق بعد التربص، إذا لم يفئْ، ونحو إكراه الحاكم الرجلين اللذين زوجهما وليان، ولم يعلم السابق منهما، ولم يتلذذ أحدهما بلا علم، إكراهه لهما على الطلاق، إكراه بحق، فهو واقع لازم؛ لأنه قول حمل عليه بحق فصح؛ كإِسلام المرتد إذا أكره على الإِسلام قبل منه.

تنبيهٌ: والإِكراه يكون بشيء من العذاب؛ كالضرب، والخنق، والعصر، والحبس، والغط في الماء مع الوعيد، فإن ذلك إكراه بلا إشكال؛ لما روي أن المشركين أخذوا عمارًا فراودوه على الشرك، فأعطاهم، فانتهى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يبكي، فجعل بمسح الدموع من عينيه ويقول: "أَخَذَكَ الْمُشْرِكُونَ فَغَطُّوكَ في الْمَاء وَأَمَرُوكَ أَنْ تُشْرِكَ بِاللْهِ فَعَلْتَ؟ فَإِنْ أَخَذُوكَ مَرَّةً أُخْرَى فَافْعَلْ ذلِكَ بِهِمْ". رواه أبو حفص بإسناده. ا. هـ. بنقل ابن قدامة.

وقول المصنف: وأما الكفر، وسبه -صلى الله عليه وسلم- وقذف المسلم فإنما يجوز للقتل، فيه نظر عندي لما تقدم لك من حديث عمار أنه أذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العود لما تخلص به من ألفاظ من عذابهم، ولم، يرد أنهم هددوه بالقتل فيما أعلم، وهو سبب نزول قوله تعالى في النحل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (١). الآية. وقوله -صلى الله عليه وسلم- لمحمد بن مسلمة ورفقائه يؤذن لهم في القول فيه -صلى الله عليه وسلم-.

وإذنه لعبد الله بن أُنيس في القول لعبهقة في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أرسله إليه ليتحيل على قتله، كل ذلك عندي دليل أن المرء إن أكره على القول وقلبه مُطمئن بالإِيمان لا حرج عليه، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.

وقوله: كالمرأة لا تجد ما يسد رمقها إلا لمن يزني بها، هو عندي ليس من باب الإِكراه، وقد لبس على المصنف أنها تتناولها قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، التي أصلها ودليلها قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (٢). لذلك فإن هذه المسألة عندي من باب الاضطرار الذي يباح به أكل الميتة. والله الموفق.


(١) سورة النحل: ١٠٦.
(٢) سورة الأنعام: ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>