من حجته قبل أن يرجع إلى منزله فكأنه قال: إذا حججت فقل ((لبيك بعمرة)) وتكون في حجتك التي حججت فيها أو يكون محمولاً على معنى تحصيلهما معًا. قلت: رواية البخاري وغيره: ((قل عمرة في حجة)) وهذه هي الصحيحة وهي تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يجعل العمرة في الحجة صفة وهي القران والرواية التي بواو العطف تدل على ما قلنا أيضًا لأن الواو لمطلق الجمع والجمع بين الحج والعمرة هو القران فيدل أيضًا على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا، وما ذكروه من الاحتمال بعيد، وصرف اللفظ إلى غير مدلوله فلا يقبل، كذا في العمدة للعيني. وذكر الحافظ أن البيهقي أجاب عن حديث عمر نصرة لمن قال إنه - صلى الله عليه وسلم - كان مفردًا: بأن جماعة رووه بلفظ ((صل في هذا الوادي، وقال عمرة في حجة)) قال: وهؤلاء أكثر عددًا ممن رواه ((وقل عمرة في حجة)) فيكون إذنًا في القران لا أمرًا النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال نفسه - انتهى. قال الشوكاني: وظاهر حديث عمر هذا أن حجه - صلى الله عليه وسلم - القران كان بأمر من الله فكيف يقول - صلى الله عليه وسلم -: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة؟ فينظر في هذا فإن أجيب بأنه إنما قال ذلك تطيبًا لخواطر أصحابه فقد تقدم أنه تغرير لا يليق نسبة مثله إلى الشارع - انتهى. قلت: قد بسط الإمام ابن القيم الكلام في ترجيح القران وأحسن في تقرير الجواب عن الإشكال المذكور فارجع إلى زاد المعاد (ج ١: ص ١٩٦)(وفي رواية) للبخاري في كتاب الاعتصام (وقل عمرة وحجة) بواو العطف وبالرفع فيهما، وقد تقدم أن الواو لمطلق الجمع والجمع بين الحج والعمرة هو القران فهذه الرواية أيضًا تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا. قال القاري: لما كان هذا الوادي بقرب المدينة وما حولها يدخل في فضلها ذكر المصنف هذا الحديث في هذا الباب، والله تعالى أعلم (رواه البخاري) في الحج وفي المزارعة وفي الاعتصام، وأخرجه أيضًا أحمد (ج ١: ص ٢٤) وأبو داود وابن ماجة والبيهقي في الحج.
********
بعون الله وحسن توفيقه تم الجزء التاسع من مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح