١٠٩١- (١) عن النعمان بن بشير قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً، فقام حتى كاد أن يكبر، فرأى رجلاً بادياً
ــ
في الأمر الوجوب، ولورود الوعيد الشديد في تركه، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة"، وفي رواية:"من تمام الصلاة"، ولقوله:"إن إقامة الصف من حسن الصلاة"، والمراد بحسنها تمامها، ولشدة اهتمامه - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه بعده بذلك، ولإنكار أنس على تركه حيث قال: ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف، أخرجه البخاري. والإنكار يستلزم المنكر، والمباح لا يسمى منكراً، ولأن عمر وبلالاً كانا يضربان أقدامهم لإقامة الصف، وضربهما أقدامهم يدل على أنهم تركوا واجباً من واجبات الصلاة. وأما إنه هل تفسد صلاة من ترك التسوية أم لا؟ فالظاهر أنه تصح ولا تفسد لعدم ورود نص صريح في ذلك. قال الحافظ في الفتح: ومع القول بأن التسوية واجبة، فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين. ويؤيد ذلك أن أنساً مع إنكاره عليهم يأمرهم بإعادة الصلاة. وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان - انتهى.
١٠٩١- قوله:(يسوي صفوفنا) أي بيده أو بأمره. (كأنما يسوي بها) أي بالصفوف. (القداح) بكسر القاف جمع قدح بكسر قاف فسكون دال، وهو خشب السهم حين ينحت ويبرى. قال الخطابي في المعالم (ج١:ص١٨٤) : القدح خشب السهم إذا برئ وأصلح قبل أن يركب فيه النصل والريش - انتهى. وقيل: هو السهم مطلقاً، يعني يبالغ في تسوية الصفوف حتى تصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها، قاله النووي. وقال الطيبي: ضرب المثل به للمتساويين أبلغ الاستواء في المعنى المراد منه؛ لأن القدح لا يصلح لما يراد منه إلا بعد الانتهاء في الاستواء، وإنما جمع مع الغنية عنه بالمفرد لمكان الصفوف أي يسوي كل صف على حدة، كما يسوي الصانع كل قدح على حدته. وروعي في قوله: يسوي بها القداح نكتة؛ لأن الظاهر كأنما يسويها بالقداح، والباء للآلة كما في كتبت بالقلم، فعكس، وجعل الصفوف هي التي يسوي بها القداح مبالغة في الاستواء - انتهى. وفي رواية لأحمد (ج٤:ص٢٧٢) كان يسوي بنا في الصفوف حتى كأنما يحاذى بنا القداح، وفي أخرى له (ج٤ ص٢٧١) : يقيم الصفوف كما تقام الرماح أو القداح. وفي أخرى له (ج٤:ص٢٧٧) ولابن ماجه: يسوي الصف حتى يجعله مثل الرمح أو القدح. (حتى رأى) أي علم. (إنا قد عقلنا) أي فهمنا التسوية. (عنه) قال الطيبي: أي لم يبرح يسوي صفوفنا حتى استوينا استواء أراده منا وتعقلنا عن فعله. (ثم خرج يوماً) أي إلى المسجد. (فقام) أي في مقام الإمامة. (حتى كاد أن يكبر) تكبيرة الإحرام. (بادياً) أي ظاهراً خارجاً.