للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[(١٤) باب حرم مكة حرسها الله تعالى]

ــ

في شرح المهذب: حديث عبد الرحمن الديلي صحيح، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وآخرون بأسانيد صحيحة، وقال بعد ذكر رواية الترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر: وإسناد هذه الرواية صحيح، وهو من رواية سفيان بن عيينة عن الثوري. قال ابن عيينة: ليس عندكم بالكوفة حديث أشرف ولا أحسن من هذا – انتهى كلام النووي. وذكر الترمذي عن سفيان بن عيينة أنه قال: هذا أجود حديث رواه سفيان الثوري. قال السيوطي: أي من حديث أهل الكوفة، وذلك لأن أهل الكوفة يكثر فيهم التدليس والاختلاف، وهذا الحديث سالم من ذلك، فإن الثوري سمعه من بكير، وسمعه بكير من عبد الرحمن، وسمعه عبد الرحمن من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يختلف رواته في إسناده، وقام الإجماع على العمل به – انتهى. ونقل ابن ماجة في سننه عن شيخه محمد بن يحيى: ما أرى للثوري حديثًا أشرف منه.

(باب حرم مكة) أي حرمة حرمها، وسيأتي ذكر حدوده (حرسها الله تعالى) أي حماها وحفظها من الآفات الحسية والعاهات المعنوية، واعلم أن مكة هي الاسم المشهور لتلك البقعة المباركة ولها أسماء أخرى كثيرة وقد عني الناس بجمعها منهم العلامة اللغوي مجد الدين الشيرازي والنووي، وقد ذكرها التقي الفاسي في شفاء الغرام مع بيان معاني بعض الأسماء، وقال المحب الطبري: سمى الله تعالى مكة بخمسة أسماء: مكة وبكة والبلد والقرية وأم القرى، فأما مكة ففي قوله تعالى {ببطن مكة} (سورة الفتح: الآية ٢٤) وفي تسميتها بهذا الاسم أربعة أقوال أحدها: لأنها يؤمها الناس من كل مكان، فكأنهم تجذبهم إليها من قول العرب: إمْتَكّ الفصيل ما في ضرع الناقة إذا لم يبق فيه شيئًا، الثاني: لأنها تملك من ظلم فيها أي تهلكه، والثالث: لجهد أهلها، ومن قولهم ((تمككت العظم) إذا أخرجت مخه، والتمكك الاستقصاء، الرابع: لقلة الماء بها، وأما بكة ففي قوله تعالى {للذي ببكة} (سورة آل عمران: الآية ٩٠) وفي تسميتها بذلك ثلاثة أقوال، أحدها: لازدحام الناس بها يقال هم فيها يتاكبون أي يزدحمون، قاله ابن عباس والثاني: لأنها تبك أعناق الجبابرة، أي تدقها، وما قصدها جبار إلا قصمه الله تعالى، والثالث: لأنها تضع من نخوة المتكبرين، وأما تسميتها بالبلد ففي قوله تعالى {لا أقسم بهذا البلد} قال المفسرون: أراد مكة، والبلد في اللغة صدر القرى، وأما تسميتها بالقرية ففي قوله تعالى {ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة} (سورة النحل: الآية ١١٣) ، الإشارة إلى مكة، فإنها كانت ذات أمن يأمن أهلها أن يغار عليهم، وكانوا أهل طمأنينة لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق، والقرية اسم لما يجمع جماعة كثيرة من الناس، من قولهم: قريت الماء في الحوض، إذا جمعته فيه، وأما تسميتها أم القرى ففي قوله تعالى: {لتنذر أم القرى ومن حولها} (سورة الأنعام: الآية ٩٢) يعني مكة، وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>