٣٩٤- (١) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده)) .
ــ
(باب سنن الوضوء) لم يرد بالسنن، سنن الوضوء فقط، أي ما يقابل الفرض بل أراد بالسنن، أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقواله، أعم من أن تكون سنة أو فرضاً، يقال: جاء في السنة كذا، أي في الحديث.
٣٩٤- قوله (من نومه) هذا يدل على عموم الحكم عقب كل نوم ليلاً أو نهاراً، لكن جاء عند الترمذي، وأبي داود وابن ماجه من الليل، مكان قوله من نومه، والمطلق محمول على المقيد، فيدل على خصوصه بنوم الليل، ويؤيده قوله في آخر الحديث "باتت يده"، فإن حقيقة المبيت تكون بالليل، إلا أن التعليل المنصوص الآتي يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما نوم الليل بالذكر للغلبة، بل قيل: ليس حكم الغسل قبل الغمس في الإناء مخصوصاً بالقيام من النوم، بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد، فإن الظاهر أن المقصود من الحديث إذا شك أحدكم في يديه مطلقاً، سواء كان لأجل الاستيقاظ من النوم أو لأمر آخر، إلا أنه فرض الكلام في جزئي واقع بينهم على كثرة، ليكون بيان الحكم فيه بياناً في الكلى بدلالة العقل، فالتقييد بالاستيقاظ لأن توهم نجاسة اليد في الغالب يكون من المستيقظ، فلا مفهوم له (فلا يغمس) بتخفيف الميم من باب ضرب، هو المشهور، ويحتمل أن يكون بالتشديد من باب التفعيل (في الإناء) أي في الظرف الذي فيه الماء وغيره من المائعات، وخرج بذكر الإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها. (حتى يغسلها) إلى رسغها (ثلاثاً) كذا في جميع طبعات الهند للمشكاة وفي النسخة القاري وسقط هذا اللفظ في نسخة الألباني طبعة دمشق وهو من إفراد مسلم (فإنه لا يدري أين باتت يده) يعني لا يدري تعيين الموضع الذي باتت، أي صارت يده منه، يعني هل لاقت مكاناً طاهراً أو نجساً، وفيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بغسل اليد احتمال النجاسة؛ لأن الشرع إذا ذكر حكماً وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها. قال الشافعي وغيره من العلماء: سبب الحديث أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالحجارة، وبلادهم حارة، فإذا ناموا عرقوا فلا يومن أن تطوف يده على موضع النجاسة، أو على قذر غير ذلك، فعلم بهذا أن حكم الغسل للشك في نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها، سواء قام من نوم الليل أو النهار، أو شك في نجاستها من غير نوم. وقال التور بشتى: هذا في حق من بات مستنجياً بالأحجار معرورياً، ومن بات على خلاف ذلك ففي أمره سعة ويستحب له أيضاً غسلها؛ لأن السنة إذا وردت لمعنى لم تكن لتزول بزوال ذلك المعنى. وقال الباجي: الأظهر في سبب الحديث أن النائم لا يكاد أن يسلم من حك جسده، وموضع بثرة في بدنه، ومس رفغه وإبطه، وغير ذلك من