للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[{الفصل الأول}]

٤٧٨- (١) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه)) .

ــ

٤٧٨- قوله: (لايبولن أحدكم في الماء الدائم) أي: الراكد الساكن. (الذي لا يجري) تفسير للدائم وإيضاح لمعناه وقيل: صفة ثانية مؤكدة للأولى. وقيل: الدائم من الأضداد، يقال للساكن والدائر المتحرك: دائم. ويطلق على البحار الكبار التي يدوم أصلها ولا ينقطع ماءها: أنها دائمة، بمعنى أن ماءها غير منقطع، وهو غير مراد هنا اتفاقاً، وعلى هذين القولين فقوله: الذي لا يجري، صفة مخصصة لأحد معنى المشترك، وهذا أولى من حمله على التوكيد. (ثم يغتسل فيه) برفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: ثم هو يغتسل فيه. نبه به على مآل الحال، والمعنى: أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فيمتنع عليه استعماله لما وقع فيه من البول، فالنهى في الظاهر مقصور على البول، وثم للإستبعاد وبيان المآل، ويرجع ذلك إلى النهي عن الجمع، أي: بعيد من العاقل أن يجمع بينهما. وقد جوز جزمه عطفاً على "يبولن" لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية، ولكنه بني على الفتح لتوكيده بالنون، وهذا يدل على أن النهي عن كل واحد من البول والاغتسال. ونصبه على إضمار أن وإعطاء "ثم" حكم "واو الجمع" وهذا يفيد أن النهى إنما هو عن الجمع بين البول والاغتسال دون إفراد أحدهما مع أنه ينهى عن البول فيه مطلقاً. وأجيب بأن ذلك لا يمنع من جواز النصب، لأنه لا يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد، فيؤخذ من هذا الحديث النهى عن الجمع، ومن رواية مسلم التالية النهى عن إفراد الاغتسال، ومن حديث جابر الآتي عن إفراد البول، والنهى عن كل واحد منهما على انفراده ليستلزم النهى عن فعلهما جميعاً بالأولى، وقد ورد النهى عن كل واحد منهما في حديث واحد. رواه أبوداود بلفظ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة. قال الشاه ولي الله الدهلوي: وحكمة النهى أن كل واحد منهما لا يخلو من أحد أمرين، إما أن يغير الماء بالفعل، أو يفضى إلى التغيير بأن يراه الناس يفعل فيتتابعوا، وهو بمنزلة اللاعنين، أللهم إلا يكون الماء مستبحراً أو جارياً، والعفاف أفضل على كل حال – انتهى. واعلم أن الحديث لا بد من إخراجه عن ظاهره بالتخصيص أو التقييد، لأن الاتفاق واقع على أن الماء المستبحر الكثير جداً لا تؤثر فيه النجاسة، والاتفاق واقع على أن الماء إذا غيرته النجاسة امتنع استعماله فحملت المالكية النهى على التنزيه فيما لا يتغير، لاعتقدهم أن الماء لا ينجس إلا بالتغير قليلاً كان أو كثيراً، فالمعتبر عندهم هو التغير وعدمه. وقالت الحنفية: خرج عنه المستبحر الكثير جداً بالإجماع، فيبقى ماعداه على حكم النص، فيدخل تحته ما زاد على القلتين، ومن المعلوم أن البول القليل في ما زاد على القلتين، من الماء لا يغير لونه ولا طعمه ولا رائحته، ومع ذلك قد نهى، وليس

<<  <  ج: ص:  >  >>