ثم صبر، عوضته منهما الجنة يديد عينيه)) رواه البخاري.
[(الفصل الثاني)]
١٥٦٤- (٢٩) عن علي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يعود مسلماً غدوة
ــ
الإنسان إليه لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوات روية ما يريد رؤيته من خير فيسر به أو شر فيجتنبه (ثم صبر) قال الطيبي: ثم ههنا لتراخي الرتبة. وفي البخاري: فصبر أي بالفاء يدل ثم، وزاد الترمذي وابن حبان في روايتهما عن أبي هريرة واحتسب، وكذا لابن حبان من حديث ابن عباس أيضاً. قال الحافظ: والمراد أنه يصبر مستحضراً ما وعد الله به الصابر من الثواب لا أن يصبر مجرداً عن ذلك، لأن الأعمال بالنيات، وابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه، بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة فإذا تلقى ذلك بالرضاء تم له المراد، وإلا يصبر كما جاء في حديث سلمان: أن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتباً، وأن مرض الفاجر كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عقل ولم أرسل أخرجه البخاري في الأدب المفرد (وابن أبي شيبة) موقوفاً (عوضته منهما) أي بدلهما أو من أجل فقدهما (الجنة) أي دخولها مع السابقين أو بغير عذاب أو منازل مخصوصة فيها، وقال الحافظ: هذا أعظم العوض، لأن الالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا والالتذاذ بالجنة باق ببقاءها، وهو شامل لكل من وقع له ذلك بالشرط المذكور، ووقع في حديث أبي أمامة فيه قيد آخر أخرجه البخاري في الأدب المفرد بلفظ: إذا أخذت كريمتيك فصبرت عند الصدمة واحتسبت، فأشار إلى أن الصبر النافع هو ما يكون في وقوع البلاء فيفوض ويسلم، وإلا فمتى تضجر وتقلق في أول وهلة، ثم يئس فيصبر لا يكون حصل المقصود. وورد في حديث أنس (الآتي في باب البكاء على الميت) إنما الصبر عند الصدمة الأولى، وقد وقع في حديث العرباض بن سارية فيما صححه ابن حبان فيه بشرط آخر ولفظه: إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثواباً دون الجنة، إذا هو حمدني عليهما ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق، وإذا كان ثواب من وقع له ذلك الجنة فالذي له أعمال صالحة أخرى يراد في رفع الدرجات- انتهى. (يريد) أي النبي صلى الله عليه وسلم بحبيبتيه (عينيه) قال القاري: والظاهر أن هذا التفسير من أنس. وقال الحافظ: قد فسرهما آخر الحديث بقوله: يريد عينيه، ولم يصرح بالذي فسرهما (رواه البخاري) في المرضى، وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي في الزهد، والبيهقي (ج٣:ص٣٧٥) وفي الباب عن جماعة من الصحابة ذكرها أحاديثهم المنذري في الترغيب، والهيثمي في مجمع الزوائد.
١٥٦٤- قوله:(غدوة) بضم الغين ما بين صلاة الغداوة وطلوع الشمس، كذا قاله ابن الملك. والظاهر