للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[(الفصل الثالث)]

٢٥٥٧- (٢٩) عن ابن عباس، قال: كان أهل اليمن يحجون فلا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون. فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} .

ــ

سليمان بن سحيم. قال ابن أبى حاتم عن أبيه: شيخ من شيوخ المدينة، ليس بالمشهور، وذكره ابن حبان في الثقات - انتهى. وقال في التقريب في ترجمته: ((مستور)) . وقال في ترجمة أم حكيم حكيمة: ((إنها مقبولة)) .

٢٥٥٧- قوله: (يحجون فلا يتزودون) قال الطيبي: كان الظاهر أن يقال: ((ولا يتزودون)) على الحال فجيء بالفاء لإرادة يقصدون الحج. قلت: كذا في جميع نسخ المشكاة بالفاء، ووقع في صحيح البخاري وسنن أبى داود وغيرهما ((ولا يتزودون)) أي بالواو، وهكذا ذكره ابن كثير وغيره، فالظاهر أن ما وقع في المشكاة من تصرف الناسخ، وزاد ابن أبى حاتم من وجه آخر عن ابن عباس ((يقولون نحج بيت الله أفلا يطعمنا)) ؟ (فإذا قدموا مكة سألوا الناس) أي أهل مكة أو أعم منهم، الزاد حيث فرغت أزودتهم، أو سألوا في مكة كما سألوا في الطريق فأنزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ} أي خذوا زادكم من الطعام واتقوا الاستطعام وإبرام الناس والتثقيل عليهم {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} أي من السؤال. قال الشوكاني: هو من إخبار بأن خير الزاد اتقاء المنهيات فكأنه قال: اتقوا الله في إتيان ما أمركم به من الخروج بالزاد فإن خير الزاد التقوى، وقيل المعنى: فإن خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة والحاجة إلى السؤال والتكفف - انتهى.

وقيل معنى الآية: وتزودوا لمعادكم التقوى (أي الأعمال الصالحة التي هي كالزاد إلى سفر الآخرة) فإنه خير زاد، فمفعول تزودوا محذوف بقرينة خبر إن وهو التقوى بالمعنى الشرعي، وما يدل عليه سبب نزول الآية أرجح وأقوى، وعلى هذا يكون الزاد بمعناه الحقيقي الحسي، والتقوى بالمعنى اللغوي، أي الإتقاء والكف عن السؤال وإبرام الناس. وقال ابن كثير: لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة وهو استصحاب التقوى إليها كما قال: {وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ} (٧: ٢٦) لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشدًا على اللباس المعنوي وهو الخشوع والطاعة والتقوى وذكر أنه خير من هذا أنفع - انتهى. قال المهلب: في هذا الحديث من الفقه أن ترك السؤال من التقوى ويؤيده أن الله مدح من لم يسأل الناس إلحافًا، فإن قوله: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} أي تزودوا واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم والإثم في ذلك، قال: وفيه أن التوكل لا يكون مع السؤال، وإنما التوكل المحمود أن لا يستعين بأحد في شيء، وقيل: هو قطع النظر عن الأسباب بعد تهيئة الأسباب كما قال عليه السلام: اعقلها وتوكل - انتهى. وقال القسطلاني: ليس في الحديث ذم التوكل لأن ما فعلوه تآكل لا توكل، لأن التوكل قطع النظر عن الأسباب مع تهيئتها لا ترك الأسباب بالكلية، فدفع الضرر المتوقع أو الواقع لا ينافي التوكل، بل هو واجب كالهرب من الجدار الهاوي إساغة اللقمة بالماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>