٢- (١) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال:((بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم إذ طلع علينا رجل
ــ
كأركانها، فلا ينعدم الإيمان بانتفاء الأعمال، بل يبقى مع انتفائها، ويكون تارك الأعمال وكذا صاحب الكبيرة مؤمناً فاسقاً لا كافراً بخلاف جزئيه: التصديق والإقرار، فإن فاقد التصديق وحده منافق، والمخل بالإقرار وحده كافر، وأما المخل بالعمل وحده ففاسق ينجو من الخلود في النار ويدخل الجنة. وقال الخوارج والمعتزلة: تارك الأعمال خارج من الإيمان لكون أجزاء الإيمان المركب متساوية الأقدام في أن انتفاء بعضها - أي بعض كان - يستلزم انتفاء الكل، فالأعمال عندهم ركن من أركان الإيمان كأركان الصلاة، ثم اختلف هؤلاء، فقالت الخوارج: صاحب الكبيرة وكذا تارك الأعمال كافر مخلد في النار، والمعتزلة أثبتوا الواسطة فقالوا: لا يقال له مؤمن ولا كافر، بل يقال له فاسق مخلد في النار، وقد ظهر من هذا أن الاختلاف بين الحنفية وأصحاب الحديث اختلاف معنوي حقيقي لا لفظي كما توهم بعض الحنفية، والحق ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة والمحدثون لظاهر النصوص القرآنية والحديثية، ومحل الجواب عن دلائل الحنفية هو المطولات، والثالث في أن الإيمان هل يزيد وينقص؟ قيل: هو من فروع اختلافهم في حقيقة الإيمان، والرابع: في أن الإسلام مغاير للإيمان شرعاً، أو هما متحدان، فقال بعضهم بالترادف والتساوي، وإنهما عبارة عن معنى واحد، وإليه ذهب البخاري، وقيل بالتغاير والاختلاف والتباين، وقيل: إن بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً، وقال بعضهم: إن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه، وقيل: إنهما مختلفان باعتبار المفهوم، متحدان في المقاصد، والتفصيل في إحياء العلوم للغزالي، وشرحه للزبيدي الحنفي، والخامس: في قران المشيئة بالإيمان، ومحل بسط الدلائل والجواب عن أدلة الأقوال الزائغة هو المطولات مثل شرح مسلم للنووي، والفتح للحافظ، وكتاب الإيمان لابن تيمية، والعمدة للعيني، وحجة الله للشيخ ولي الله الدهلوي.
٢- قوله: (عن عمر بن الخطاب) قال القرطبي: هذا الحديث يصلح أن يقال له "أم السنة" لما تضمنه من جمل علم السنة، قال الطيبي: ولهذه النكتة استفتح به البغوي كتابه "المصابيح" و"شرح السنة" اقتداءً بالقرآن في افتتاحه بالفاتحة؛ لأنها تضمنت علوم القرآن إجمالاً - انتهى. وبالجملة إنه حديث جليل فيه وحده كفاية لمن تأمل فيه، سمي "حديث جبريل" و"أم الأحاديث"؛ لأن العلوم الشرعية التي يتكلم عليها فرق المسلمين من الفقه والكلام والمعارف والأسرار كلها منحصرة فيه، راجعة إليه، ومتشعبة منه، كما أن فاتحة الكتاب تسمى أم القرآن وأم الكتاب؛ لاشتمالها على المعاني القرآنية والمقاصد الفرقانية إجمالاً. (بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم إذ طلع علينا رجل) أي بين أوقات نحن حاضرون عنده فاجأنا وقت طلوع ذلك الرجل فأصله "بين" عوض بما عن كلمة أوقات المحذوفة التي تقتضيها بين عند الإضافة إلى الجملة، وهو ظرف زمان مثل إذ بمعنى المفاجأة، يضافان إلى الجملة الاسمية تارة، وإلى