للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد

ــ

الفعلية أخرى، ويكون العامل معنى المفاجأة في إذ ويكون بينما ظرفاً لفاجأنا المقدر، وإذ مفعول به لهذا المقدر بمعنى الوقت، ونحن مبتدأ وعند ظرف مكان ذات يوم ظرف لقوله عند باعتبار أن فيه معنى الاستقرار، أي بين أوقات نحن حاضرون عنده، فنحن مخبر عنه بجملة ظرفية، والمجموع صفة المضاف إليه المحذوف وزيادته ذات لدفع توهم التجوز بأن يراد باليوم مطلق الزمان لا النهار، وقيل: ذات مقحم، وقيل: بمعنى الساعة، وكان مجيء هذا الرجل في آخر عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يدل عليه رواية ابن مندة في كتاب الإيمان بإسناده الذي هو على شرط مسلم، فجاء بعد إنزال جميع الأحكام لتقرير أمور الدين التي بلغها متفرقة في مجلس واحد لتضبط وتحفظ. وسبب ورود الحديث ما في مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سلوني، فهابوه أن يسألوه، فجاء رجل فجلس عند ركبتيه، وقوله: طلع علينا رجل، أي ظهر علينا رجل في غاية الأبهة ونهاية الجلالة، كما تطلع علينا الشمس، وفيه دليل على تمثل الملائكة بأي صورة شاءوا من صور بني آدم كقوله تعالى: {فتمثل لها بشراً سوياً} [١٩: ١٧] ، وقد كان جبريل يتمثل بصورة دحية وغيره كما في هذا الحديث. (شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر) بإضافة شديد إلى ما بعده إضافة لفظية مفيدة للتخفيف فقط، صفة رجل، واللام في الموضعين عوض عن المضاف إليه العائد إلى الرجل، أي شديد بياض ثيابه شديد سواد شعره، والمراد به شعر اللحية كما في رواية ابن حبان ((شديد سواد اللحية)) ، (لا يرى عليه أثر السفر) روي بصيغة المجهول الغائب ورفع الأثر، وهو رواية الأكثر والأشهر، وروي بصيغة المتكلم المعلوم ونصب الأثر، والجملة حال من رجل أو صفة له، والمراد بالأثر ظهور التعب والتغير والغبار. (ولا يعرفه منا أحد) استند في ذلك عمر إلى صريح قول الحاضرين، ففي رواية لأحمد: فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا: ما نعرف هذا، والمعنى تعجبنا من إتيانه وترددنا في أنه من الملك والجن، إذ لو كان بشراً من المدينة لعرفناه، أو كان غريباً لكان عليه أثر السفر. (حتى جلس) غاية لمحذوف دل عليه طلع؛ لأنه بمعنى أتى، أي أقبل واستأذن حتى جلس متوجهاً ومائلاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه) أي إلى ركبتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الجلوس على الركبة أقرب إلى التواضع والأدب، وإيصال الركبة بالركبة أبلغ في الإصغاء وأكمل في الاستئناس (على فخذيه) أي على فخذي النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما تفيده رواية ابن خزيمة في صحيحه وغيره، وحديث ابن عباس وأبي عامر الأشعري عند أحمد بإسناد حسن، ورواه النسائي من حديث أبي هريرة وأبي ذر بلفظ: حتى وضع يده على ركبتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسنده صحيح، والظاهر أنه أراد بذلك جبريل المبالغة في تعمية أمره؛ ليقوى الظن بأنه من جفاة الأعراب، ولهذا تخطى الناس حتى انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا استغرب الصحابة صنيعه. (وقال: يا محمد) أي بعد ما قال: "السلام عليك" كما في حديث أبي هريرة وأبي ذر عند أبي داود والنسائي، ووقع في حديث ابن عمر عند الطبراني وفي حديث عمر عند أبي عوانة في صحيحه وفي حديث أبي هريرة عند البخاري في تفسير سورة لقمان أنه قال له: "يا رسول الله"، ويجمع بأنه بدأ أولاً

<<  <  ج: ص:  >  >>