٤٥٥- (١) عن أبي هريرة، قال:((لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا جنب، فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى قعد، فانسللت، فأتيت الرحل،
ــ
دليل لما ذهب إليه الشافعي ومن وافقه من أن الثوب يطهر بالغسل مرة، وأن التثليث مندوب، خلافاً للحنفية، فإن التثليث عندهم واجب في النجاسة الغير المرئية. قال برهان الدين المرغيناني: النجاسة ضربان مرئية وغير مرئية، فما كان منها مرئياً فطهارتها بزوال عينها، وما ليس بمرئي فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر، لأن التكرار لا بد منه للاستخراج، وإنما قدروا بالثلاث لأن غالب الظن يحصل عنده، ويتأيد ذلك بحديث: إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً - انتهى. قلت: في الاستدلال بهذا الحديث على إيجاب التثليث في النجاسة الغير المرئية نظر، لأن الحديث من باب النظافة لا من باب النجاسة كما ذهب إليه الباجي، وابن تيمية. (رواه أبوداود) وسكت عنه، لكن في سنده أيوب بن جابر اليمامي، وقد ضعفه ابن معين وابن المديني والنسائي وأبوزرعة وأبوحاتم وابن حبان ويعقوب بن سفيان. وقال أحمد: حديثه يشبه حديث أهل الصدق. وقال الفلاس: صالح. وقال ابن عدي: أحاديثه صالحة متقاربة، وهو ممن يكتب حديثه. وقال البخاري في التاريخ الأوسط: هو أوثق من أخيه محمد.
(باب مخالطة الجنب) أي: جواز مماسته، ومماسحته، ومماشاته، ومجالسته، ومصافحته، ومواكلته، ونحوذلك. يقال أجنب الرجل إذا صار جنباً، بضمتين، وهو يقع على الواحد والإثنين والجمع، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، وقد يقال: جنبان وجنوب وأجناب، والاسم الجنابة، وأصلها البعد لأنه نهي أن يقرب موضع الصلاة وعن كثير من العبادات مالم يتطهر. (وما يباح له) أي: للجنب من الأكل والشرب والنوم والذكر وغيرها بعد الوضوء وقبله.
٤٥٥- قوله:(فأخذ بيدي) للتأنيس، ويحتمل أن يكون أخذه بها للإتكاء عليها. وفيه جواز أخذ الإمام والعالم بيد تلميذه ومشيه معه معتمداً عليه ومرتفقا به. (حتى قعد) أي: وتخلصت يدى منه. (فانسللت) أي: مضيت وخرجت بتأن وتدريج. وفي رواية فانخنست أي: تأخرت وانقبضت ورجعت. وإنما تأخر أبوهريرة ورجع وترك صحبته - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يستأذنه لما ظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرضى بصنيعه الذي يصنعه لعلمه أنه قد أمرهم بالطهارة والنظافة، وحثهم عليها، وأنه يحب أن يكون الرجل على أكمل الهيئآت وأحسن الصفات عند ملاقاة ذوى الفضل ومصاحبتهم. (فأتيت الرحل) بالحاء المهملة