الكتاب بأيدي الناظرين والعيان أصدق شاهد، فلا حاجة إلى التنبيه على ما التزمه الشارح - حفظه الله وبارك في حياته - فيه من الأمور التي لا بد من مراعاتها في شرح مشكاة المصابيح، وما أودعه من بدائع الفوائد الجليلة ونفائس الأبحاث الممتعة التي لا غنى لأحد ممن يشتغل بالحديث تدريساً وقراءة، ولكن لا بأس أن نشير إلى لمعة من خصائصه ونذكر بعض ميزاته؛ ليكون من أول الأمر بصيرة لأولي الأبصار، فيقع في قلوبهم بانشراح وارتياح، ولو قلنا: إن الأمور التي راعاها المؤلف في هذا الشرح الجليل لا توجد مجتمعة في شرح آخر من شروح المشكاة لم يكن فيه شيء من المبالغة أصلاً، وهاك بعض ميزاته:
١- وضع المؤلف - طال بقاؤه - أرقاماً مسلسلة لأحاديث الكتاب؛ ليكون حصراً صحيحاً لأحاديثه، ولأن عد الأحاديث بالأرقام المسلسلة خير الطرق لنشر كتب الحديث وشروحها في هذا العصر، ولتكون هذه الأرقام المسلسلة كالأعلام للحديث، ثم وضع بجنبها أرقاماً مسلسلة لأحاديث كل باب على حدة وجعلها بين القوسين () ؛ ليمتاز عن الرقم المسلسل لأحاديث الكتاب، ولا يخفى فائدة هذا العمل على القارئ والباحث.
٢- وضع أربع فهارس: أحدها فهرس الكتب والأبواب والفصول حسب ما وقع في المشكاة. وثانيها: فهرس الأحاديث مع أبوابها وفصولها مع أرقامها المسلسلة وبعض أبحاث الشرح المهمة. ثالثها: فهرس الأعلام للصحابة والتابعين وغيرهم ممن لهم ذكر أو رواية في كتاب المشكاة، وللأئمة أصحاب الأصول المذكورين في أول المشكاة. رابعها: فهرس للأماكن التي ورد ذكرها في متن الحديث مرتباً على حروف المعجم، وقد جعل فهارس هذا الجزء في أوله مع بيان رقم الصفحة، وهكذا يفعل في بقية الأجزاء، إن شاء الله تعالى.
٣- كتب ترجمة كل علم من الصحابة والتابعين وغيرهم بقدر الحاجة في أول موضع ذكر فيه من المشكاة، وكذا وصف كل مكان في أول موضع وقع فيه.
٤- أوفى القول في توضيح الأحاديث وتشريحها، وذكر من معاني الأحاديث المشتملة على مسائل الفقه والكلام ما هو الصحيح الراجح المعول عليه عند السلف الصالح من الصحابة والتابعين وفقهاء المحدثين - رضي الله عنهم -، وكثيراً ما أطنب الكلام في الرد على التأويلات الواهية المزخرفة التي اخترعها أهل الهوى من المبتدعين والمقلدين الجامدين المتعصبين لصوغ الأحاديث النبوية على مسالكهم الزائغة وأهوائهم الباطلة.
٥- أجاب بأحسن وجه عن المطاعن التي يوردها المقلدون على مسالك فقهاء أهل الحديث في شروحهم وحواشيهم وتعليقاتهم على كتب الحديث.
٦- ذكر اختلاف الفقهاء وأقوالهم في مسائل الخلاف مع سرد حجج هذه الأقوال، ثم عين القول الراجح المعول عليه عنده، وأيّده بالأحاديث والآثار، وأجاب عن دلائل الأقوال المرجوحة بوجوه متعددة.