٥٥٩- (١) عن عائشة، رضي الله عنها، قالت:((جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله! إني امرأة، أستحاض، فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟
ــ
النظر إلى اللون اجتهاد والنظر إلى العادة تقليد، والاجتهاد أولى من التقليد. وقيل: العبرة للعادة لا للتمييز فترد إلى العادة وهو الراجح عندي، لأن العادة أقوى لكونها لا تبطل دلالتها، والدم الأسود إذا زاد على أكثر مدة الحيض بطلت دلالته، فما لا تبطل دلالته أولى، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - رد أم حبيبة والمرأة التي استفتت لها أم سلمة إلى العادة من غير استفصال وتفريق بين كونها مميزة، وكذا حديث عدي بن ثابت عام في كل مستحاضة، وقد تكلم في إسناده بما لا يوجب سقوطه عن درجة الاعتبار ثم اعلم أن الحنفية لم يعتبروا التمييز مطلقاً فالمستحاضة عندهم على ثلاثة أنواع، الأولى مبتدأة مميزة كانت أو غير مميزة، وحكمها عندهم أنها تجلس أكثر الحيض. والثانية معتادة ذات تمييز كانت أو غير ذات تمييز، وحيضها أيم عادتها. والثالثة متحيرة، وهي التي كانت لها عادة معلومة لكن نسيت أيامها، والتبس عليها قدر عادتها. وقد تحيروا في حكم المتحيرة، وتخبطوا، واضطربت أقوالهم فيه اضطراباً يبعد فهمه على أذكياء الطلبة، فضلاً عن النساء الموصوفات بنقصان العقل والدين، ولا إشكال في حكمها عندنا، فإنها إن كانت ذات تمييز، فالدم الأسود حيض وإن كانت غير ذات تمييز، جلست ستة أيام أو سبعة أيام، كما في حديث حمنة، وحديث فاطمة: إن دم الحيض دم أسود يعرف. يرد عليهم في منع اعتبار التمييز مطلقاً. هذا، وقد وردت في المستحاضة روايات مختلفة، لكنها عند الإمعان ترجع إلى ثلاثة أحاديث، يعلم منها أحكام جميع أنواع المستحاضة كما أشرنا إلى ذلك. قال ابن قدامة في المغني (ج١:ص٣٢٣) : قال الإمام أحمد: الحيض يدور على ثلاثة أحاديث، حديث فاطمة وأم حبيبة وحمنة. وفي رواية حديث أم سلمة مكان حديث أم حبيبة-انتهى. وقد بسط الكلام في أحوال المستحاضة وأنواعها في المغني (ج١:ص٣٢٨-٣٥٢) فمن شاء رجع إليه.
٥٥٩- قوله:(فاطمة بنت أبي حبيش) بضم حاء مهملة وفتح باء موحدة وياء ساكنة بعدها شين معجمة، واسمه قيس بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، مهاجرية جليلة، روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث الإستحاضة، وعنها عروة ابن الزبير. وقيل: عن عروة عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: فذكره. وهو أول أحاديث الفصل الثاني (أستحاض) بهمزة مضمومة وفتح تاء، أي: استمر بي الدم فلا ينقطع، ولم ترد الإستحاضة الفقهية، وهي جريان الدم في غير أوانه، لأنها لو كانت تعلم أنها إستحاضة شرعية ما أشكل عليها الأمر (فلا أطهر) أي: لا ينقطع عني الدم (أفأدع الصلاة) عطف على مقدرة بعد الهمزة لأن لها صدر الكلام، أي: أيكون لي حكم الحائض؟ فأترك الصلاة