للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك

ــ

(فقال: لا) أي: لا تدع الصلاة (إنما ذلك) بكسر الكاف خطاب للمؤنث أي: الذي تشتكينه (عرق) بكسر العين، أي: دم عرق انشق وانفجر منه الدم، أو إنما سبب ذلك عرق في أدنى الرحم، وهذا بيان لعدم كونه حيضا، وليس بياناً لكونه ناقضاً للوضوء كما توهمت الحنفية. قال الخطابي: ليس معنى الحدث ما ذهب إليه هؤلاء، ولا مراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ما توهموه، وإنما أراد أن هذه العلة إنما حدثت بها من تصدع العرق، وتصدع العرق علة معروفة عند الأطباء، يحدث ذلك عند غلبة الدم، فتتصدع العروق إذا امتلأت تلك الأوعية- انتهى. قلت: لا شك في أن هذا هو مراده - صلى الله عليه وسلم - بذلك الكلام، وما ساق الكلام إلا لأجله، وليس فيما قاله الخطابي، تخصيص لعمومه، ولا تقييد لإطلاقه كما لا يخفى (وليس بحيض) فإن الحيض يخرج من قعر رحم المرأة، فهو إخبار باختلاف المخرجين، وهو رد لقولها: لا أطهر، لأنها اعتقدت أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم، فكنت بعدم الطهر عن اتصاله، وكانت قد علمت أن الحائض لا تصلي، فظننت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم، فأبان لها - صلى الله عليه وسلم - أنه ليس بحيض وأنها طاهرة يلزمها الصلاة (فإذا أقبلت حيضتك) بفتح الحاء ويجوز كسرها، والمراد بالإقبال ابتداء دم الحيض، وبالإدبار ابتداء انقطاعها. واعلم أنهم اختلفوا في أن فاطمة بنت أبي حبيش معتادة كانت أو مميزة غير معتادة. فمال البيهقي والترمذي وغيرهما من فقهاء أصحاب الحديث إلى أنها مميزة. قال الترمذي: قال أحمد وإسحق في المستحاضة إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره، فإقباله أن يكون أسود، وإدباره أن يتغير إلى الصفرة، فالحكم فيها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش- انتهى. واستدل هؤلاء على كونها مميزة بأول حديث الفصل الثاني، وبقوله: إذا أقبلت حيضتك، في هذا الحديث. قالوا: الحيضة بالكسر، والمراد بها الحالة التي تكون للحيض من قوة الدم في اللون والقوام. وإن كان بالفتح فالمراد بإقبال حيضتها بالصفة. قال بعض الحنفية: لفظ الإقبال والإدبار يؤيد الشافعي في اعتبار اللون، فإنه يعلم منه أن دم الحيض دم متميز بنفسه يعرف إذا أقبل وإذا أدبر، فالإحالة على الدم مشعر بأن دم الطمث مغاير لدم الإستحاضة بنفسه، ومتميز كتمايز سائر الماهيات، ولذا اكتفى بالإحالة على الإسم لأنه كان من الأشياء المتميزة بنفسها كما في رواية: فإنه دم أسود يعرف. قلت: في الاستدلال به على كونها ذات تمييز خفاء لأنه يمكن أن يقال: أن المراد بالحيضة- بالكسر- الحالة التي كانت تحيض فيها، وهي تعرفها، فيكون ردا إلى العادة. وبإقبال حيضتها– بالفتح – إقبال أيام الحيض، أي: وجود الدم في أول أيام العادة، ويؤيده ما في رواية للبخاري من هذا الحديث: فإذا ذهب قدرها، يعني قدر أيم الحيضة وقال من ذهب إلى كونها مميزة: أي: ذهب قدر الحيضة على ما قدره الشارع، أو على ما تراه المرأة باجتهادها، ولا يخفى بعد هذا التأويل بل يبطله ما وقع في رواية أخرى للبخاري أيضاً: ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها. فإنها صريحة في أنه - صلى الله عليه وسلم - ردها إلى عادتها، وبالجملة في الاستدلال بلفظ"إقبال الحيض وإدباره"على كونها مميزة نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>