(باب ذكر الله عزوجل) أي فضل ذكر الله (والتقرب إليه) أي التقرب بذكر الله إلى الله والمراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها، مثل الباقيات الصالحات وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخير الدنيا والآخرة. ويطلق ذكر الله أيضاً ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة. ثم الذكر يقع تارة باللسان ويوجر عليه الناطق ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه وإن إنضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل فإن إنضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالاً، فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالاً، فإن صحح التوجه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال قاله الحافظ. وقال الفخر الرازي: المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد والذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وفي أدلة التكاليف من الأمر والنهي حتى يطلع على أحكامها وفي أسرار مخلوقات الله، والذكر بالجوارح هو أن تصير مستغرقة في الطاعات ومن سمي الله تعالى الصلاة ذكراً فقال:{فاسعوا إلى ذكر الله}[الجمعة: ٩] ونقل عن بعض العارفين. قال: الذكر على سبعة إنحاء فذكر العينين بالبكاء، وذكر الأذنين بالإصغاء، وذكر اللسان بالثناء، وذكر اليدين بالعطاء، وذكر البدن بالوفاء وذكر القلوب بالخوف والرجاء وذكر الروح بالتسليم والرضا. وقال القاضي عياض: ذكر القلب نوعان: أحدهما، وهو أرفع الأذكار وأجلها الفكر في عظمة الله وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سماواته وأرضه، ومنه حديث خير الذكر الخفي (أخرجه أحمد وأبويعلى من حديث سعد بن أبي وقاص ذكره الهيثمي (ج١٠ص٨١) مع الكلام عليه) والمراد به هذا، والثاني ذكره بالقلب عند الأمر والنهي فيمتثل ما أمر به ويترك ما نهى عنه، ويقف عما أشكل عليه. وأما ذكر اللسان مجرداً فهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث، قال وذكر ابن جرير الطبري وغيره اختلاف السلف في ذكر القلب واللسان أيهما أفضل. قال القاضي: والخلاف عندي إنما يتصور في مجرد ذكر القلب تسبيحاً وتهليلاً وشبههما، وعليه يدل كلامهم لا أنهم مختلفون في الذكر الخفي الذي ذكرناه أولا فذلك لا يقاربه ذكر اللسان فكيف يفاضله، وإنما الخلاف في ذكر القلب بالتسبيح المجرد ونحوه. والمراد بذكر اللسان مع حضور القلب فإن كان لاهيا فلا خلاف في فضل الذكر بالقلب حينئذ، واحتج من رجح ذكر القلب وحده بأن عمل السر أفضل. ومن رجح ذكر اللسان أي