للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[{الفصل الأول}]

١٤١٤- (١) عن أنس، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس)) .

ــ

المنثور المسجع ونحوه، كذا في القاموس. وفي عرف الشرع عبارة عن كلام يشتمل على الذكر والتشهد والصلاة والوعظ. واختلف هل هي شرط صحة صلاة الجمعة، وركن من أركانها أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أنها شرط وركن. وقال أقوام: إنها ليست بفرض، وجمهور أصحاب مالك على أنها فرض إلا ابن الماجشون، ذكره ابن رشد. قلت: ذهب داود الظاهري وابن حزم والحسن البصري والجويني إلى أن خطبة الجمعة ليست فرضاً، بل هي مندوبة، وهو الظاهر؛ لأنه لم ينتهض دليل على إيجابها لا من كتاب ولا من سنة. وأما قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} [٦٢: ٩] فليس فيه حجة على ذلك؛ لأن المراد بالذكر المأمور بالسعي إليه هو الصلاة. غاية الأمر أنه متردد بينها وبين الخطبة، وقد وقع الاتفاق على وجوب الصلاة، والنزاع في وجوب الخطبة، فلا ينتهض هذا الدليل للوجوب. قال ابن حزم: قد أقدم بعضهم فقال إن قول الله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} إنما مراده إلى الخطبة، وجعل هذا حجة في إيجاب فرضها. قال ابن حزم: من لهذا المقدم؟ إن الله تعالى أراد بالذكر المذكور فيها الخطبة، بل أول الآية وآخرها يكذبان ظنه الفاسد؛ لأن الله تعالى إنما قال: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} ، ثم قال عزوجل: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض، وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً} فصح أن الله تعالى إنما افترض السعي إلى الصلاة إذا نودي لها، وأمر إذا قضيت بالانتشار، وذكره كثيراً، فصح يقيناً أن الذكر المأمور بالسعي له هو الصلاة، وذكر الله تعالى فيها بالتكبير والتسميع والتمجيد والقراءة والتشهد لا غير ذلك، فإن قالوا: لم يصلها عليه السلام قط إلا بخطبة. قلنا: ولا صلاها عليه السلام قط إلا بخطبتين قائماً يجلس بينهما، فاجعلوا كل ذلك فرضاً لا تصح الجمعة إلا به، ولا صلى عليه السلام قط إلا رفع يديه في التكبيرة الأولى، فأبطلوا الصلاة بترك ذلك-انتهى.

١٤١٤- قوله: (حين تميل الشمس) أي تزول عن كبد السماء وعن استوائها، يعني بعد تحقق الزوال. قال الحافظ: في التعبير بـ"كان" إشعار بمواظبته - صلى الله عليه وسلم - على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس-انتهى. وفيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من أن أول وقت الجمعة إذا زالت الشمس كوقت الظهر، وأنها لا تصلى إلا بعد الزوال. ويدل له أيضاً ما رواه مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: كنا نجمع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء. قال النووي: قال مالك وأبوحنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم: لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس، ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق، فجوزاها قبل الزوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>