للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[{الفصل الأول}]

٦٣- (١) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم،

ــ

إن كانت تدعو إلى الرذائل والمعاصي تسمى وسوسة، وإن كانت تدعو إلى الخصائل المرضية والطاعات تسمى إلهاما، ولا تكون الوسوسة إلا مع التردد والتزلزل من غير أن يطمئن إليه أو يستقر عنده

٦٣-قوله: (إن الله تجاوز) أي عفا (عن أمتي) أي امة الإجابة. وفي رواية "تجاوز لي عن أمتي" أي لم يؤاخذهم بذلك لأجلي. وفيه إشارة إلى عظم قدر الأمة المحمدية لأجل نبيها - صلى الله عليه وسلم -، فله المنة العظمى التي لا منتهى لها علينا. وفيه إشعار بإختصاصها بذلك، بل صرح بعضهم بأنه من خصائص هذه الأمة (ما وسوست به صدورها) الجملة في محل النصب على المفعولية، و"ما" موصول، و"وسوست" صلته، و"به" عائد إلى الموصول، و"صدورها" بالرفع فاعل وسوست، أي ما خطر في قلوبهم من الخواطر الردية. وروي بالنصب على الظرفية. وقيل على أنه مفعول به بناء على أن وسوست بمعنى حدثت، ووقع فيه التجريد بأن يجرد شخصاً من نفسه ويحدثها (مالم تعمل) أي ما دام لم يتعلق به العمل في العمليات بالجوارح (أو تتكلم) أي ما لم تتكلم به في القوليات باللسان على وفق ذلك. قال الطيبي: الوسوة ضرورية إختيارية، فالضرورية: ما يجري في الصدر من الخواطر ابتداء ولا يقدر الإنسان على دفعه، فهو معفو عنه عن جميع الأمم، قال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [٢: ٢٨٦] والاختيارية: هي التي تجري في القلب وتستمر وهو يقصد أن يعمل به ويتلذذ منه، كما يجري في القلب حب امرأة ويدوم إليه ويقصد الوصول إليه، وما أشبه ذلك من المعاصي، فهذا النوع عفا الله عن هذه الأمة تشريفاً وتكريماً لنبينا - صلى الله عليه وسلم - وأمته، وإليه ينظر قوله تعالى: {ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا} [٢: ٢٨٦] . وأما العقائد الفاسدة ومساوي الأخلاق وما ينضم إلى ذلك فإنها بمعزل عن الدخول في جملة ما وسوست به الصدور- انتهى. قال القاري: هو كلام حسن، ولذا قيده النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "ما لم تعمل به أو تكلم" إشارة إلى أن وسوسة الأعمال والأقوال معفوة قبل ارتكابها. وأما الوسوسة التي لا تعلق لها بالعمل والكلام من الأخلاق والعقائد فهي ذنوب بالاستقرار - انتهى. وقال الحافظ في الفتح في شرح باب من هم بحسنة أو سيئة من الرقاق: قسم بعضهم ما يقع في النفس أقساماً، أضعفها أن يخطر له ثم يذهب في الحال، وهذا من الوسوسة، وهو معفو عنها، وهو دون التردد، وفوقه أن يتردد فيه فيهم به ثم ينفر عنه فيتركه ثم يهم به ثم يترك كذلك ولا يستمر على قصده، وهذا هو التردد، فيعفي عنه أيضاً. وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر عنه لكن لا يصمم على فعله، وهذا هو الهم، فيعفي عنه أيضاً. وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر منه بل يصمم على فعله، فهذا هو العزم، وهو منتهى الهم، وهو على قسمين: الأول أن يكون من أعمال القلوب صرفاً كالشك في الوحدانية أو النبوة، فهذا كفر، ويعاقب عليه جزماً، ودونه المعصية التي لا تصل إلى الكفر كمن يحب ما يبغضه الله، ويبغض

<<  <  ج: ص:  >  >>