الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فإن العصر الذي نعيش فيه هو عصر الإعلام والنشر، وللناس فيه عناية كبيرة بشؤون المطابع والمكتبات، حتى نرى أنهم يطبعون وينشرون ما فيه وصمة للعلم ومضرة بالغة للمجتمع. أما العلوم الدينية التي تضمن السعادة الأبدية للإنسانية كلها وتطهر المجتمع من الفواحش والدنايا فقد قل بها اهتمام الناس، واشتغلوا عنها بتوافه الأمور، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، والمدارس الدينية العربية بالهند التي تعتبر معاقل الدين وحصونه هي الأخرى قد عكفت على تدريس العلوم وتلقينها، وأهملت ناحية التأليف والطبع والنشر، مع أنها كانت معقد آمال الناس في الأوساط الدينية، وكان من واجبها أن لا تتخلف في مجال مهم مثل التأليف والنشر، وقد شعرت بعض المدارس بهذا النقص، فحاولت التفادي منه ونجحت، ولكن معظم المدارس العربية لا تزال على الحالة التي أشرنا إليها.
وبناءً على ذلك كانت الجامعة السلفية قد جعلت من أهدافها - منذ أن أنشئت - الاهتمام بشؤون التأليف والطبع والنشر بجانب الشؤون الدراسية والتعليمية، ولتحقيق هذا الهدف قد تم في الجامعة إنشاء قسم خاص يهتم بشؤون التأليف والنشر، وهو قسم دار الترجمة والتأليف والنشر، وقد أبدى هذا القسم نشاطاً ملموساً في ترجمة بعض الكتب المهمة النافعة وطبعها ونشرها في الهند وخارجها.
ومن أكبر مشاريع الدار وأهمها مشروع طبع كتاب "مرعاة المفاتيح" شرح مشكاة المصابيح لفضيلة العلامة المحدث الكبير الشيخ أبي الحسن عبيد الله الرحماني - حفظه الله تعالى -، وكان هذا الكتاب قد طبع جزء منه في باكستان وجزآن في الهند، ولكنه نظراً إلى أهمية موضوعه وطرافة مباحثه كان في حاجة إلى أن يعاد طبعه على طريقة علمية حديثة، بحيث يسهل تناوله للقراء في الهند وغيرها من البلاد الإسلامية والعربية. ومن المتوقع أن يقع الكتاب وفق هذه الطبعة الثانية في ١٢ جزء، وكل جزء يحتوي على نحو ٦٠٠ صفحة بالقطع الكبير. والدار حينما تحملت مسؤولية هذا المشروع الكبير - مع كثرة نفقاتها - لم تهدف إلا إلى نشر العلوم الدينية والتعريف بما قام به العلماء السلفيون بالهند من خدمة العلوم الإسلامية واللغة العربية، وما كان لهم من الإسهام في بناء صرح الثقافة الإسلامية في شبه القارة.
ونحن إذ نقدم الجزء الأول من كتاب مرعاة المفاتيح نسأل الله عز وجل أن يكتب له القبول لدى القراء والباحثين، ويوفقنا لإتمام هذا المشروع الكبير، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، فهو نعم المولى ونعم النصير.