١٩٨- (١) عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج،
ــ
(كتاب العلم) أي بيان ما يتعلق بالعلم من فضله وفضل تعلمه وتعليمه، وبيان ما هو علم شرعاً، وبيان فرضه ونفله. وغير ذلك من متعلقات العلم، لا بيان ماهية وحقيقته؛ لأن النظر في الماهيات ليس من فن الكتاب، وقدمه على سائر الكتب التي بعده؛ لأن مدار تلك الكتب كلها على العلم، وإنما لم يقدم على كتاب الإيمان ومتعلقاته من القدر وعذاب البرزح والاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله، وضده من الكفر وغيره من الكبائر المخلة بالإيمان؛ لأن الإيمان أول واجب على المكلف، أو لأنه أفضل الأمور على الإطلاق وأشرفها، وينبغي للطالب أن يطالع "تذكرة السامع والمتعلم" لابن جماعة، المتوفى سنة (٧٣٣) و"جامع بيان العلم" لابن عبد البر، المتوفى سنة (٤٦٢) و"إحياء العلوم" للغزالي، المتوفى سنة (٥٠٥) وغير ذلك من كتب هذا الفن.
١٩٨- قوله:(بلغوا عني ولو آية) أي ولو كانت آية قصيرة من القرآن، والقرآن مبلغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه الجائي به من عند الله، ويفهم منه تبليغ الحديث بالطريق الأولى، فإن القرآن مع انتشاره وكثرة حملته وتكفل الله بحفظه لما أمرنا بتبليغه فالحديث أولى. وقيل: المراد بالآية هنا الكلام المفيد، نحو من سكت نجا، أي بلغوا عني أحاديث ولو قليلة، وحرض على تبليغ الأحاديث دون القرآن؛ لأنه تعالى تكفل بحفظه، ولأن الطبائع مائلة إلى تعلمه، أو هو داخل فيه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - بلغهما. وقوله "بلغوا" مشعر باتصال سنده؛ لأن البلوغ انتهاء الشيء إلى غايته وبأدائه من غير تغيير (وحدثوا عن بني إسرائيل) بما وقع لهم من الأعاجيب وإن استحال مثلها في هذه الأمة، كنزول النار من السماء لأكل القربان مما لا تعلمون كذبه، أي مما لا يخالف القرآن والحديث ولا يعارضهما. (ولاحرج) أي لا ضيق عليكم بالتحديث بقصصهم كحكاية قتل أنفسهم في توبتهم من عبادة العجل، أو تفصيل القصص المذكورة في القرآن مما فيه عبرة. وأما النهي عن اشتغال بما جاء منهم، فمحمول على كتب التوراة والعمل بالأحكام لنسخها، أو النهي كان في صدر الإسلام لعدم تقرر الأحكام حينئذٍ فربما يعمل بما حدث عنهم من الأحكام، فلما تقررت الأحكام الإسلامية لم يحصل ذلك المحذور. أو أن قوله:"حدثوا" أولاً صيغة أمر تقتضي الوجوب، فأشار إلى عدمه وأن الأمر للإباحة بقوله "ولا حرج" أي في ترك التحديث عنهم، فأباح لهم الحديث عنهم للاتعاظ، ورفع الحرج عنهم في تركه بخلاف التحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم مأمورورن بالتبليغ عنه. فلهذا قال: بلغوا عني. وقيل: معنى قوله: "لاحرج" أي لا تضيق