فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر)) رواه مسلم.
[{الفصل الثاني}]
١٧١٤- (٨) عن عروة بن الزبير، قال:((كان بالمدينة رجلان: أحدهما يلحد، والآخر لا يلحد، فقالوا: أيهما جاء أولاً عمل عمله، فجاء الذي يلحد،
ــ
(فتحرق) بضم التاء وكسر الراء من الإحراق، وضميره للجمرة. (ثيابه) بالنصب. (فنخلص) بضم اللام أي تصل. (إلى جلده) بكسر الجيم. قال الطيبي: جعل الجلوس على القبر وسراية مضرته إلى قلبه، وهو لا يشعر بمنزلة سراية النار من الثوب إلى الجلد. (خير له) أي أحسن له وأهون (من أن يجلس على قبر) قال صاحب البذل: ظاهر الحديث يدل على النهي عن القعود مطلقاً سواء كان للتغوط أو لغيره-انتهى. قلت: لا ريب أن الحديث ظاهر في أنه لا يجوز الجلوس على القبر مطلقاً، وقد تقدم النهي عن ذلك صريحاً، وأن الجمهور ذهبوا إلى التحريم، وأن المراد القعود على حقيقته لا للحدث. وأما ما روى الطحاوي من طريق محمد بن كعب عن أبي هريرة مرفوعاً: من جلس على قبر يبول عليه أو يغوط فكأنما جلس على جمرة، فإسناده ضعيف، وما روي عن ابن عمر أنه كان يجلس على القبر، يحمل على أنه لم يبلغه النهي، والله تعالى أعلم. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه والبيهقي.
١٧١٤- قوله:(كان بالمدينة رجلان) أي حفاران للقبور. (أحدهما) وهو أبوطلحة زيد بن سهل الأنصاري. (يلحد) بفتح الياء والحاء من لحد كمنع، وبضم الياء وكسر الحاء من الحد أن يحفر اللحد. (والآخر) وهو أبوعبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرة. (لا يلحد) بل يشق ويضرح أي يفعل الضريح، وهو الشق في وسط القبر. قال الباجي: يقتضي أن الأمرين جائزان ولو كان أحدهما محظوراً لما استدام عمله، ومثل هذا لا يخفى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عمله؛ لأنه من الأمور الظاهرة، لا سيما والذي كان لا يلحد من أفضل الصحابة وأكثرهم اختصاصاً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى. (فقالوا) أي الصحابة يعني اتفقوا بعدما اختلفوا في الشق واللحد على أن (أيهما جاء أولاً) بالتنوين منصوباً. قال القاري: وفي نسخة "أول" بالفتح والضم. قيل: الرواية في أول بالضم؛ لأنه مبني كقبل، ويجوز الفتح والنصب-انتهى. والحديث أخرجه مالك في موطئه، واختلفت النسخ المطبوعة من الموطأ في هذه اللفظة، فوقع في الهندية أولاً وفي المصرية أول. قال الزرقاني: أو بمنع الصرف للوصف ووزن الفعل، وروي أولاً بالصرف. (عمل عمله) من اللحد أو الشق في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. (فجاء الذي يلحد) أي قبل الآخر كما سبق في علم الله تعالى من اختياره لمختاره - صلى الله عليه وسلم -. (فلحد)