للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[(٣) باب الإيمان بالقدر]

ــ

(باب الإيمان بالقدر) هذا نوع تخصيص بعد تعميم، أو ذكر جزئي بعد الكلي اهتماماً لما وقع فيه من الاختلاف الناشئ عن التحير في هذا الأمر. والقدر بفتحتين وهو المشهور، وقد تسكن داله. قال الراغب: القدر بوضعه يدل على القدرة وعلى المقدور الكائن بالعلم يتضمن الإرادة عقلاً والقول نقلاً، وحاصله وجود شيء في وقت وعلى حال يوفق العلم والإرادة والقول. وقدر الله الشيء بالتشديد قضاه، ويجوز بالتخفيف. وقال الجزري: القدر ما قضاه الله وحكم به من الأمور. وقال في القاموس: القدر محركة القضاء والحكم - انتهى. وهذا يدل على أن القدر والقضاء بمعنى واحد، وقد يفرق بينهما فقيل: القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل فيما لا يزال. قال تعالى: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزل إلا بقدر معلوم} [١٥: ٢١] وقيل: القضاء الإرادة الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص، والقدر تعلق تلك الإرادة بالأشياء في أوقاتها، وعلى هذا يكون القضاء سابقاً على القدر، قال تعالى: {يمحو الله ما يشاء وثبت، وعنده أم الكتاب} [١٣: ٣٩] ، فالمحو والإثبات عبارة عن القدر، وفي قوله تعالى: {وعنده أم الكتاب} إشارة إلى القضاء، وأرجع لتوضيح الآية إلى حاشية الجلالين للشيخ سليمان الجمل، فإنه أطال الكلام فيها وأجاد. وقال بعضهم: القدر هو التقدير، والقضاء هو الخلق بوفق التقدير نحو: {فقضاهن سبع سموات} أي خلقهن، فيكون القدر سابقا على القضاء وعلى هذا المعنى جف القلم بما هو كائن عبارة عن التقدير. وفي قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن} [٥٥: ٢٩] إشارة إلى القضاء. وقيل: القضاء أخص من القدر لأنه الفصل من التقدير، والقدر هو التقدير والقضاء هو الفصل والقطع. وذكر بعضهم أن القدر بمنزلة المعد للكيل، والقضاء بمنزلة الكيل. وفي قول عمر لأبي عبيدة: "أفر من قضاء الله إلى قدر الله" تنبيه على أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجو أن يدفعه الله، فإذا قضى فلا مدفع له، ويشهد لذلك قوله تعالى: {وكان أمرا مقضياً} [١٩: ٢١] ، {وكان على ربك حتما مقضياً} [١٩: ٧١] تنبيهاً على أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه. وقال الغزالي في المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى: ههنا ثلاثة أشياء، الحكم والقضاء والقدر. ثم بين الفرق بينها بالتفصيل فارجع إليه. والإيمان بالقدر هو أن يعتقد أن كل ما يوجد في العالم من الخير والشر والضر والنفع حتى إن أفعال العباد من الإيمان والكفر والطاعة والعصيان والغواية والرشد بقضاء الله وقدره وإرادته ومشيئته وخلقه وتأثيره، غير أنه يرضى الإيمان والطاعة ووعد عليهما الثواب، ولا يرضى الكفر والمعصية وأوعد عليهما العقاب. قال أهل السنة: إن الله تعالى قدر الأشياء أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد منها ما سبق في عمله، فلا محدث في العالم العلوي والسفلي إلا وهو صادر عن علمه وقدرته وإرادته دون خلقه، وإن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة وإن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله وبقدرة الله وإلهامه

<<  <  ج: ص:  >  >>