وانخسفا بصيغة انفعل، ومعنى المادتين واحد أو يختص ما بالكاف بالشمس وما بالخاء بالقمر، وهو المشهور على ألسنة الفقهاء، واختاره ثعلب، وادعى الجوهري أفصحيته، ونقل عياض عن بعضهم عكسه، وعورض بقوله تعالى:{وخسف القمر}[القيامة: ٨] ، ويدل للقول الأول إطلاق اللفظين في المحل الواحد في الأحاديث، قال المنذري، وقبله ابن العربي: حديث الكسوف رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر نفساً، رواه جماعة منهم بلفظ الكاف وجماعة بالخاء وجماعة باللفظين جميعاً – انتهى. لكن لم يرد في الأحاديث نسبة الكسوف إلى القمر على جهة الانفراد. قال القسطلاني نقلاً عن الحافظ وغيره: ولا ريب أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف؛ لأن الكسوف لغة تغير إلى سواد، والخسوف النقص والذل كما مر، فإذا قيل في الشمس: كسفت أو خسفت؛ لأنها تتغير ويلحقها النقص ساغ ذلك، كذلك القمر. ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان، وقيل: بالكاف في الابتداء، وبالخاء في الانتهاء، وقيل: بالكاف لذهاب جميع الضوء، بالخاء لبعضه، وقيل: بالخاء لذهاب كل اللون، وبالكاف لتغيره، واعلم أنه لا خلاف في مشروعية صلاة الكسوف والخسوف، وأصل مشروعيتها بالسنة وإجماع الأمة لكن اختلفوا في حكمها وصفتها، فقال الشافعي وأحمد: صلاة كسوف الشمس سنة مؤكدة لفعله - صلى الله عليه وسلم - لها وجمعه الناس مظهراً لذلك، وهذه أمارة الاعتناء والتأكيد وللأمر بها، والصارف عن الوجوب ما سبق من قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا إلا أن تطوع)) ، وعند أبي حنيفة سنة غير مؤكدة، وصرح أبوعوانة في صحيحه بوجوبها، وإليه ذهب بعض الحنفية واختاره أبوزيد الدبوسي صاحب الأسرار، قال ابن الهمام: للأمر بها، والظاهر أن الأمر للندب؛ لأن المصلحة دفع الأمر المخوف فهي مصلحة تعود إلينا دنيوية إلى آخر ما قال. وعن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، وفي الشرح الكبر للمالكية: أنها سنة عين، وأما صلاة خسوف القمر فهي سنة مؤكدة عند الشافعي وأحمد ككسوف الشمس، ومستحبة عند أبي حنيفة ومالك، لكن قالا: يصلون فرادى من غير جماعة، وقال ابن دقيق العيد: تردد في صلاة الخسوف مذهب مالك وأصحابه ولم يلحقها بكسوف الشمس في قول. وقال ابن قدامة: قال مالك: ليس في كسوف القمر سنة، وحكى ابن عبد البر عنه وعن أبي حنيفة أنهما قالا: يصلي الناس لخسوف القمر وحداناً ركعتين ركعتين ولا يصلون جماعة، قال العيني: أبوحنيفة لم ينف الجماعة بل قال: الجماعة فيها غير سنة بل هي جائزة – انتهى. والراجح: ما ذهب إليه الشافعي وأحمد، وأما الصفة فسيأتي الكلام عليها قريباً.
١٤٩٤- قوله (إن الشمس خسفت) بفتح الخاء والسين، وفي إسناد الخسوف إلى الشمس رد على من