للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئاً)) رواه مسلم.

[{الفصل الثاني}]

١٥٢٩- (٦) عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الريح من روح الله تأتي بالرحمة وبالعذاب، فلا تسبوها، وسلوا الله من خيرها، وعوذوا به من شرها)) .

ــ

لامها تاء (بأن لا تمطروا) أي لا ينزل عليكم المطر يعني عدم المطر فالباء زائدة (ولكن) بالتخفيف (السنة) أي قد تكون (أن تمطروا وتمطروا) التكرير للتأكيد والتكثير أي تمطروا المرة بعد الأخرى مطراً كثيراً (ولا تنبت الأرض شيئاً) أي لإمساكه تعالى لها من الإنبات والمعنى لا تظنوا أن الرزق والبركة من المطر بل الرزق من الله تعالى فرب مطر لا ينبت منه شيء فالقحط الشديد ليس بأن لا يمطر بل بأن يمطر ولا ينبت لأن حصول الشدة بعد توقع الرخاء وظهور مخائله وأسبابه أفظع مما إذا كان اليأس حاصلاً من أول الأمر (رواه مسلم) في الفتن وأشراط الساعة وأخرجه أيضاً أحمد والشافعي والبيهقي (ج٣:ص٣٦٣) .

١٥٢٩- قوله: (الريح) أي الهواء المسخر بين السماء والأرض (من روح الله) قيل: الروح بفتح الراء النفس والفرج والرحمة أي من رحمته تعالى يريح بها عباده ومنه قوله تعالى {فروح وريحان} [الواقعة:٨٩] وقوله {ولا تيأسوا من روح الله} [يوسف:٨٧] فإن قيل: كيف يكون الريح من رحمته مع أنها تجيء بالعذاب؟ قلت: إذا كان عذاباً للظلمة فيكون رحمة للمؤمنين حيث يتخلصون من الكفار الفجار، وأيضاً الروح بمعنى الرائح أي الجائي من حضرة الله بأمره تارة للكرامة وأخرى للعذاب فلا يعيب فإنه تأديب والتأديب حسن (تأتي بالرحمة) من إنشاء سحاب ماطر مثلا لمن أراد الله تعالى أن يرحمه (وبالعذاب) لمن أراد أن يهلكه (فلا تسبوها) أي بلحوق ضرر منها فإنها مأمورة مقهورة مسخرة (وسلوا الله) وروى واسألوا (من خيرها) أي خير ما أرسلت به (وعوذوا به) بفتح العين وتشديد الواو من التعويذ يقال عوذ الرجل إذا دعا له بالحفظ، وقال له أعيذك بالله، ولفظ أبي داود استعيذوا، وابن ماجه تعوذوا يقال تعوذ واستعاذة بالله فأعاذه وعوذه أي حفظه (من شرها) أي من شر ما أرسلت به. قال المظهر: فإن قيل: كيف تكون الريح من روح الله أي رحمته مع أنها تجيء بالعذاب فجوابه من وجهين: الأول أنه عذاب لقوم ظالمين رحمة لقوم مؤمنين. قال الطيبي: يؤيده قوله تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} [الأنعام:٤٥] الكشاف، فيه إيذان بوجوب الحمد عند إهلاك الظلمة، وهو من أجل النعم، الثاني بأن الروح مصدر بمعنى الفاعل أي الرائح. فالمعنى أن الريح من روائح الله تعالى أي من الأشياء التي تجيء من حضرته بأمره ليس لأحد مدخل في مجيئها فتارة تجيء بالرحمة وأخرى

<<  <  ج: ص:  >  >>