إلا قال:((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)) رواه البيهقي في شعب الإيمان.
[(الفصل الثالث)]
عليه الاستثناء أي ما وعظنا (إلا قال) أي فيها، ولعل الحصر غالبي (لا إيمان لمن لا أمانة له) فإن المؤمن من أمنه الخلق على أنفسهم وأموالهم، فمن خان وجار فليس بمؤمن، أراد نفي الكمال دون الحقيقة، قاله المناوي. وقال القاري: انتفى كمال الإيمان بانتفاء الأمانة؛ لأنه يؤدي إلى استباحة الأموال والأعراض والأبضاع والنفوس، وهذه فواحش تنقص الإيمان وتقهقره إلى أن لا يبقى منه إلا أقله بل ربما أدت إلى الكفر، ومن ثم قيل: المعاصي بريد الكفر – انتهى. (ولا دين لمن لا عهد له) المراد به الزجر والردع ونفي الفضيلة والكمال دون الحقيقة، والمعنى أن من جرى بينه وبين أحد عهد وميثاق ثم غدر من غير عذر شرعي فدينه ناقص، قال الطيبي: وفي هذا الحديث إشكال، وهو أنه قد سبق أن الدين والإيمان الإسلام أسماء مترادفة، فلم فرق بينها وخص كل واحد منها بمعنى؟ والجواب: أنها وإن اختلفت لفظاً فقد اتفقا هاهنا معنى، فإن الأمانة ومراعاتها إما مع الله تعالى فهي ما كلف به من الطاعة وسمي أمانة لأنه لازم الوجود كما أن الأمانة لازم الأداء، قال الله تعالى:{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان}[٣٤: ٧٢] ، وإما مع الخلق فظاهر، ولأن العهد وتوثيقه إما مع الله تعالى فاثنان العهد الأول الذي أخذه على جميع ذرية آدم في الأزل، وهو الإقرار بربوبيته قبل الأجساد، مصداقه قوله تعالى:{وإذ أخذ ربك من بني آدم ... } الآية [٧: ١٧٢] ، والثاني ما أخذه عند هبوط آدم – عليه الصلاة والسلام – إلى الدنيا من متابعة هدى من الاعتصام بكتاب ينْزله ورسول يبعثه، مصداقه قوله تعالى:{قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى ... }[٢: ٣٨] ، وإما مع الخلق وحينئذٍ فمرجع الأمانة والعهد إلى طاعة الله بأداء حقوقه وحقوق العباد كأنه قال: لا إيمان ولا دين لمن لا يفي بعهد الله بعد ميثاقه، ولا يؤدي أمانة الله بعد حملها، وهي التكاليف من الأوامر والنواهي، ويشهد له قوله تعالى:{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين – إلى قوله – دين القيمة}[٩٨: ٥] ، والتكرير المعنوي توكيد وتقرير – انتهى. (رواه البيهقي في شعب الإيمان) وكذا رواه في السنن الكبرى (ج٦: ص٢٨٨) قال القاري: وكذا رواه محي السنة أي صاحب المصابيح في شرح السنة بإسناده – انتهى. قلت: وأخرجه أيضاً أحمد في المسند (ج٣: ص١٣٥، ١٥٤، ٢١٠، ٢٥١) ، وفي السنة (ص٩٧) ، وابن حبان وأبويعلى والبزار والطبراني في الأوسط والضياء في المختارة، قال العزيزي: إسناده قوي، وقال الهيثمي: فيه أبوهلال وثقه ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وغيره – انتهى. وللحديث شاهدان من حديث أبي أمامة عند الطبراني في الكبير ومن حديث ابن مسعود ذكرهما الهيثمي، وقال الشيخ الألباني: رواه الضياء في الأحاديث المختارة (ق٢٣٤/٢) من طريقين عن أنس أحد إسناديه حسن وله شواهد.
قوله (الفصل الثالث) المراد به الأحاديث الملحقة بالباب ألحقها صاحب المشكاة غير مقيدة بأن تكون مما أخرجها الشيخان أو غيرهما من أصحاب السنن، ولا بأن تكون عن صحابي أو تابعي.