للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فاغتسلت، ثم جئت، وهو قاعد. فقال: أين كنت يابا هريرة؟. فقلت له. فقال: سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس)) .

ــ

الساكنة أي: المكان الذي آوى إليه. (فاغتسلت) أي: في الرحل. (أين كنت) كان هذه ناقصة وخبرها الظرف، أو تامة، فلا تحتاج إلى الخبر. وفيه أن من حسن الأدب لمن مشى معه شيخه وإمامه أن لا ينصرف عنه ولا يفارقه حتى يعلمه بذلك، لأن قوله لأبي هريرة: أين كنت؟ يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - استحب أن لايفارقه حتى ينصرف معه. (ياباهريرة) بحذف الهمزة في الأب تخفيفاً. (فقلت له) أي: الذى فعلته من الرواح إلى الرحل والاغتسال فيه وسببه. (فقال: سبحان الله) تعجباً من اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة وعدم علمه المسألة، أي: كيف يخفى مثل هذا الظاهر عليك. (إن المؤمن لا ينجس) بفتح الجيم وضمها من سمع وكرم أي: لا يتنجس نجاسة تمنع مصاحبته، وملامسته، وإصابة العرق منه بمجرد الحدث، سواء كان أصغر أو أكبر ما لم يتعلق بجسده شيء من النجاسة الحقيقية، يدل عليه المقام، إذا المقام مقام الحدث، فلا يرد أنه يتنجس بالنجاسة. والمقصود أن الحدث ليس بنجاسة تمنع عن المماسة، والمماشاة. والمصافحة إنما هو أمر تعبدى. وقد يقال: إن المراد أن نفسه لا يصير نجساً أصلاً لا بالحدث ولا بالخبث، لأنه إن صحبه شيء من النجاسة فنجاسته بسبب صحبته بذلك، لا أن ذاته صار نجساً، فإذا زال ما كان معه من النجاسة فالمؤمن على حالة من الطهارة، فصدق: أن المؤمن لا ينجس أصلاً. والحاصل أن مقتضى ما فعله أبوهريرة أن المؤمن يصير نجساً بحيث يحترز عن صحبته حالة الجنابة‘ فرده - صلى الله عليه وسلم - بأن المؤمن لا يصير كذلك أصلاً. وذلك لا ينافي أن المؤمن قد يحترز عنه بالنظر إلى ما يصحبه من الأنجاس لأنه أمر معلوم من خارج. فالحديث دليل على أن المؤمن طاهر سواء كان جنباً أو محدثاً، حياً أو ميتاً، وكذا ما تحلب منه من عرقه ودمعه ولعابه وسؤره. وذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس تعليقاً: المسلم لا ينجس حياً ولا ميتاً. ورواه الحاكم عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: لا تنجسوا موتاكم، فإن المسلم لا ينجس حياً ولا ميتاً. قال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. وهو أصل في طهارة المسلم حياً وميتاً. أما الحي فبالإجماع حتى الجنين إذا ألقته أمه، وأما الميت ففيه خلاف للعلماء، والصحيح أنه طاهر لحديث ابن عباس هذا فلا ينجس المؤمن بالموت بتشرب الدم المسفوح في أجزائه كرامة له، إذ لو نجس لما طهر بالغسل كسائر الحيوانات التي حكم بنجاستها بالموت. وأما غسله فتعبد، أو للنظافة. وحديث ابن عباس حجة على العراقيين من الحنفية حيث قالوا بتنجس المؤمن بالموت، فالغسل عندهم للتطهير، قالوا: يحكم بطهارته بالغسل كرامة. وارجع للبسط إلى النيل. وأما الكافر الحي فحكمه في الطهارة والنجاسة حكم المسلم عند الجمهور من السلف والخلف، وذكروا في تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - للمؤمن بقوله: "لا ينجس" مع أن الكافر كذلك عندهم وجوهاً: الأول أن المقام مقام خطاب المسلم. والثاني أنه أشار به إلى أن الكفار يجب أن يتجنب عنهم كما يتجنب من النجاسات الظاهرة، فهو تنفير عن الكفار وإهانة لهم. والثالث أن فيه إشارة إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>