١٥٦٣- (٢٨) وعن أنس، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله سبحانه وتعالى: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه،
ــ
الأحاديث والآثار التي تدل على عدم جواز الفرار من الموضع الذي وقع فيه وباء الطاعون، وأفرز الجزء الثاني بذكر الأجوبة عن دلائل القائلين بالفرار ودفع شبهاتهم وأعذارهم، وهي عديم النظير في بابها فعليك أن تطالعها. هذا وقد ذكر العلماء في النهى عن الخروج حكماً بسطها الحافظ في الفتح (ج٢٣:ص٤١٥) والغزالي في الأحياء، وغيرهما في غيرهما، لا يخلوا واحد منها عن نظر. والظاهر أن النهى للتعبد، والله تعالى اعلم. قال العلامة الآلوسي في روح المعاني (ج٢٨:ص٩٨) واختلفوا في علة النهى فقيل: هي أن الطاعون إذا وقع في بلد مثلاً عم جميع من فيه بمداخلة سببه فلا يفيد الفرار منه، بل إن كان أجله قد حضر فهو ميت وإن رحل، وإلا فلا وإن أقام فتعينت الإقامة لما في الخروج من العبث الذي لا يليق بالعقلاء. واعترض بمنع عمومه إذا وقع في بلد جميع من فيه بمداخلة سببه، ولو سلم فالوباء مثله في أن الشخص الذي في بلده إن كان أجله قد حضر فهو ميت وإن رحل، وإلا فلا وإن أقام مع أنهم جوزوا الفرار منه. وقيل: هي أن الناس لو تواردوا على الخروج لضاعت المرضى العاجزون عن الخروج لفقد من يتعهدهم والموتى لفقد من يجهزهم، وأيضاً في خروج الأقوياء كسر قلوب الضعفاء عن الخروج، وأيضاً إن الخارج يقول: لو لم أخرج لمت، والمقيم يقول: لو خرجت لسلمت، فيقعان في اللو المنهى عنه. واعترض كل ذلك بأنه موجود في الفرار عن الوباء أيضاً وكذا الداء الحادث ظهوره المعروف بين الناس بأبي زوعة الذي أعيا الأطباء علاجه، ولم ينفع فيه التحفظ والعزلة على الوجه المعروف في الطاعون. وقيل: هي أن للميت به وكذا للصابر المحتسب المقيم في محله وإن لم يمت به، أجر شهيد، وفي الفرار إعراض عن الشهادة، وهو محل التشبيه في حديث عائشة عند بعض. واعترض بأنه قد صح أنه صلى الله عليه وسلم مر بحائط مائل فأسرع ولم يمنع أحد من ذلك، وكذا في الفرار من الحريق مع أن الميت بذلك شهيد أيضاً. وذهب بعض العلماء إلى أن النهى تعبدى، وكأنه لما رأى أنه لا تسلم علة له من الطعن قال ذلك، ولهم في ذلك رسائل عديدة فمن أراد استيفاء الكلام فيها فليرجع إليها- انتهى. (متفق عليه) أخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل وفي الطب وفي ترك الحيل، ومسلم في الطب، وأخرجه أيضاً أحمد (ج٥:ص٢٠١-٢٠٢-٢٠٦-٢٠٧-٢٠٨-٢٠٩-٢١٠) والترمذي في الجنائز، والبيهقي (ج٣:ص٣٧٦) .
١٥٦٣- قوله:(إذا ابتليت عبدي) المؤمن (بحبيبتيه) بالتثنية أي محبوبيه يعني يفقد بصر عينيه، وقيل أي أنزلت البلاء بعينيه حتى يصير أنه لا يرى بهما. قال الحافظ: المراد بالحبيبتين المحبوبتان، لأنهما أحب أعضاء