تسميتها بذلك أربعة أقوال، أحدها: أن الأرض دحيت من تحتها، قاله ابن عباس. وقال ابن قتيبة: لأنها أقدم الأرض، والثاني: لأنها قبلة يؤمها جميع الأمة، الثالث: لأنها أعظم القرى شأنًا، الرابع: لأن فيها بيت الله تعالى: ولما جرت العادة أن بلد الملك وبيته مقدمان على جميع الأماكن سمي أما لأن الأم متقدمة، قلت: وسماها الله أيضًا في القرآن بالبلد الأمين وبالبلدة وبمَعاد بفتح الميم، فأما الأول: ففي قوله تعالى {وهذا البلد الأمين}(سورة التين: الآية ٣) قال ابن عباس: يعني مكة، وأما الثاني: ففي قوله تعالى: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة}(سورة النمل: الآية ٩٣) قال الواحدي في الوسيط: هي مكة، وأما الثالث: ففي قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}(القصص: الآية ٨٥) قال ابن عباس: إلى مكة، قال التقي الفاسي بعد ذكر هذه الأسماء الثمانية: فهذه ثمانية أسماء لمكة مأخوذة من القرآن العظيم، ولم يذكر المحب الطبري من أسمائها المأخوذة من القرآن إلا خمسة لأنه قال: سمى الله تعالى مكة بخمسة أسماء: بكة ومكة والبلد والقرية وأم القرى – انتهى، أما حرم مكة فهو ما أحاطها وأطاف بها من جوانبها، جعل الله تعالى له حكمها في الحرمة تشريفًا لها، وسمي حرمًا لتحريم الله تعالى فيه كثيرًا مما ليس بمحرم في غيره من المواضع، وحده من طريق المدينة عند التنعيم على ثلاثة أميال من مكة، وقيل أربعة، وقيل خمسة، ومن طريق اليمن طرف أضاة لِبْن على ستة أميال من مكة، وقيل سبعة، ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال – بتقديم المثناة الفوقية على السين – ومن طريق الطائف على عرفات من بطن نمرة سبعة أميال – بتقديم السين على الباء – وقيل: ثمانية. ومن طريق جدة عشرة أميال. وقال الرافعي: هو من طريق المدينة على ثلاثة أميال، ومن العراق على سبعة، ومن الجعرانة على تسعة ومن الطائف على سبعة ومن جدة على عشرة، والسبب في بعد بعض الحدود وقرب بعضها ما قيل إن الله تعالى لما أهبط على آدم بيتًا من ياقوتة أضاء لهم ما بين المشرق والمغرب، فنفرت الجن والشياطين ليقربوا منها، فاستعاذ منهم بالله وخاف على نفسه منهم، فبعث الله ملائكة فحفوا بمكة من كل جانب، ووقفوا مكان الحرم، أي في موضع أنصاب الحرم يحرسون آدم، فصار حدود الحرم موضع وقوف الملائكة، وقيل: إن الخليل عليه السلام لما وضع الحجر الأسود في الركن حين بنى الكعبة أضاء له نور وصل إلى أماكن الحدود فجاءت الشياطين فوقفت عند الأعلام فبناها الخليل عليه السلم حاجزًا، رواه مجاهد عن ابن عباس، وعنه أن جبرئيل عليه السلام أرى إبراهيم عليه السلام موضع أنصاب الحرم فنصبها ثم جددها إسماعيل عليه السلام ثم جددها قصي بن كلاب ثم جددها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما ولي عمر رضي الله عنه بعث أربعة من قريش فنصبوا أنصاب الحرم ثم جددها معاوية رضي الله عنه ثم عبد الملك بن مروان كذا ذكر القسطلاني في شرح البخاري، ونحوه في القرى (ص ٦٠٢) للمحب الطبري، وارجع لمزيد من البسط إلى شفاء الغرام (ج ١: ص ٥٤ إلى ص ٦٦) تنبيه: إن علمي الحرم من