للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعلى هذا القول يكون فاعل «حابى (١)» مضمرا فيه، يعود على «الذى» واسم الله مرفوعا بالابتداء، وخبره الجملة التى هى «يعطى» وفاعله ومفعوله، أى إنّ الذى بارى جديلة طيّئ فى الحباء، الله يعطى به من يشاء، ومفعول «يمنع» محذوف، دل عليه مفعول «يعطى» ومفعول «يشاء» المذكور، و «يشاء» المحذوف، محذوفان، فالتقدير: يعطى به الله من يشاء أن يعطيه، ويمنع به من يشاء أن يمنعه، على أن المضمرين فى يعطيه ويمنعه يعودان على الممدوح، والمعنى أنه ملك قد فوّض الله إليه أمر الخلق، فى الإعطاء والمنع، فالمدح على هذا يتوجّه إليه وإلى عشيرته، لأن المباراة فى العطاء أنهم يعطون فيعطى مباهيا لهم بعطائه، والمعنى فى قول أبى الفتح: إن الذى حبا الله به جديلة طيّىء بأن جعله منهم، يعطى من يشاء إعطاءه، ويمنع من يشاء منعه، لأنه يعطى تكرّما لا قهرا، ويمنع عزّة لا بخلا.

وأقول: إنّ أصل فاعلته أن يكون من اثنين فصاعدا، وأنّ فاعله مفعول فى المعنى ومفعوله فاعل فى المعنى، كقولك: خاصمته وسابقته وشاريته وشاركته (٢)، ولم يأت من واحد إلا فى أحرف نوادر، كقولهم: طارقت النّعل، وعاقبت اللّصّ، وعافاك الله، وقاتلهم الله، فأبو الفتح ذهب بقولهم: حابيت زيدا مذهب هذه الألفاظ الخارجة من القياس، وقد جاء حابى بمعنى حبا فى قول أشجع بن عمرو السّلمىّ، يمدح جعفر [بن يحيى (٣)] بن خالد البرمكىّ، حين ولاّه الرشيد خراسان:

إنّ خراسان وإن أصبحت ... ترفع من ذى الهمّة الشانا

/لم يحب هارون بها جعفرا ... لكنّه حابى خراسانا

أى لم يحب جعفرا بخراسان، لكن حبا خراسان بجعفر، فهذا يعضد قول


(١) فى الأصل وهـ‍: «حبا»، وكذلك فيما حكاه البغدادى فى الخزانة ٩/ ٥٠٧ عن ابن الشجرى، وأثبت ما فى شرح ديوان المتنبى، وهو ينقل عن ابن الشجرى. وهذا الذى أثبتّه هو لفظ البيت.
(٢) انظر كتاب الشعر ص ٤٩٨.
(٣) سقط من هـ‍.